التصديق ، ويكذبون أبدا في مقام التكذيب.
فلو لا أنهم عارفون للصادق والكاذب ، لما تأتى منهم ذلك. لكن العلم بالصادق والكاذب ، كما يشهد له عقلك ، موقوف على العلم بالخبر الصدق ، والخبر الكذب.
هذا والحدود التي تذكر كقولهم : الخبر هو الكلام المحتمل للصدق والكذب ، أو التصديق والتكذيب ، وكقولهم : هو الكلام المفيد بنفسه إضافة أمر من الأمور إلى أمر من الأمور نفيا أو إثباتا ، بعد تعريفهم الكلام بأنه : المنتظم من الحروف المسموعة المتميزة ، وكقول من قال : هو القول المقتضى بصريحه نسبة معلوم إلى معلوم بالنفي أو بالإثبات ، ليتها صلحت (١) للتعويل.
أما ترى الحد الأول حين عرف صاحبه الصدق بأنه الخبر عن الشيء على ما هو به ، والكذب بأنه الخبر عن الشيء لا على ما هو به ، كيف دار ، فخرج عن كونه معرفا. ومن ترك الصدق والكذب إلى التصديق والتكذيب ما زاد على أن وسع الدائرة.
والحد الثاني : أوجب أن يكون قولنا في باب الوصف : خ خ الغلام الذي لزيد أو خ خ ليس لزيد ، خبرا لكونه كلاما على قول صاحبه ، ومفيدا بصريحه إضافة أمر ، وهو الغلام ، إلى أمر ، وهو زيد ، بالإثبات في أحدهما ، والنفي في الآخر مع انتفاء كونه خبرا ، بدليل انتفاء لازم الخبر ، وهو صحة احتمال الصدق والكذب ، فلا نزاع في كون ذلك لازم الخبر ، إنما النزاع في أن يكون حدا ، والحال ما تقدم ، وكذا قولنا : خ خ أن زيدا غلام ، أو خ خ ليس غلاما ، (بفتح أن) كيف خرج عن أن يكون مطردا.
والحد الثالث : حين أوجب أن لا يكون قولنا : خ خ ما لا يعلم بوجه من الوجوه ، لا يثبت ولا ينفي خبر الامتناع أن يقال : ما لا يعلم بوجه من الوجوه ، معلوم ، مع أن الكلام خبر ، كيف خرج عن أن يكون منعكسا مع انتقاضه بالنقضين المذكورين ، وهما : الغلام الذي لزيد ، أو ليس لزيد ، وأن زيدا غلام ، أو ليس غلاما ، (بفتح أن) ،
__________________
(١) في (غ) (طحت) وهو تصحيف.