وهم الأعراب الخلص من كل خارش يربوع وضبّ ، تلقاه في بلاغته يضع الهناء مواضع النقب (١) ، دون المولدين الذين قصارى أمرهم في مضمار البلاغة أوان الاستباق ، إذا استفرغوا مجهودهم ، الاقتداء بأولئك.
ومن الشواهد لما نحن فيه ، شهادة غير مردودة ، رواية الأصمعي تقبيل خلف الأحمر بين عيني بشار بمحضر أبي عمرو بن العلاء حين استنشداه قصيدته هذه ، على ما روي من أن خلفا قال لبشار بعد ما أنشد القصيدة : لو قلت يا أبا معاذ ، مكان خ خ إن ذاك النجاح خ خ بكّرا ، فالنجاح في التبكير كان أحسن ، فقال بشار : إنما قلتها ، يعني قصيدته أعرابية وحشية ، فقلت : إن ذاك النجاح في التبكير ، كما يقول الأعراب البدويون ، ولو قلت : خ خ بكرا فالنجاح في التبكير ، كان هذا من كلام المولدين ، ولا يشبه ذلك الكلام ، ولا يدخل في معنى القصيدة التي قلتها. فقام خلف فقبل [بين عينيه](٢).
فهل فحوى ما جرى بين بشار وصاحبيه ، وهم من فحولة هذا النوع ، ومن المهرة المتقنين ، والسحرة المؤخذين (٣) ، إلا راشحة بتحقيق ما أنت منه على ريبة ، وقل لي مثل بشار ، وقد تعمد أن يهدر بشقشقة سكان مهافّي الريح ؛ من كل ماضغ قيصوم (٤) وشيح ، إذا خاطب ، خ خ ببكرا : محرضا صاحبيه على التشمير عن ساق الجد في شأن
__________________
(١) النّقب والنّقب : القطع المتفرقة من الجرب ، الواحدة نقبة ، وقيل : هى أول ما يبدو من الجرب قال دريد ابن الصّمّة :
مبتذلا تبدو محاسنه .. |
|
يضع الهناء مواضع النّقب |
وقيل : النّقب : الجرب عامة.
والهناء : ضرب من القطران. [لسان العرب : ٦ / ٤٥١٣] مادة نقب.
(٢) سقطت من النسخ وأثبتناها من دلائل الإعجاز (٢٧٣) (ط) المدني تعليق محمود شاكر.
(٣) المؤخذين : من الأخذة وهى رقية تأخذ العين ونحوها كالسحر. اللسان مادة (أخذ).
(٤) القيصوم : ما طال من العشب وهو كالقيعون (عن كراع) والقيصوم : من نبات السّهل ، قال أبو حنيفة : القيصوم من الذكور ومن الأمرار ، وهو طيب الرائحة من رياحين البر ، وورقه هدب ، وله نورة صفراء وهى تنهض على ساق وتقوم.
وقال جرير :
[نبتت بمنبته فطاب لشمها |
|
ونأت عن الجثجاث والقيصوم]. اللسان (قصم) |