واعلم أن جميع ذلك هو مقتضى الظاهر ، ثم قد يخرج المسند إليه ، لا على مقتضى الظاهر ، فيوضع اسم الإشارة موضع الضمير ، وذلك إذا كملت العناية بتمييزه ، إما لأنه اختص بحكم بديع عجيب الشأن ، كقوله (١) :
كم عاقل عاقل أعيت مذاهبه ... |
|
وجاهل جاهل تلقاه مرزوقا |
هذا الذي ترك الأوهام حائرة ... |
|
وصيّر العالم النّحرير زنديقا |
وإما لأنه قصد التهكم بالسامع والسخرية منه ، كما إذا كان فاقد البصر ، أو لم يكن ، ثم مشار إليه أصلا ، أو النداء على كمال بلادته بأنه لا يميز بين المحسوس بالبصر وغيره ، أو على كمال فطانته ، وبعد غور إدراكه بأن غير المحسوس بالبصر عنده كالمحسوس عند غيره ، أو قصد ادعاء أنه ظهر ظهور المحسوس بالبصر كقوله (٢) :
تعاللت كي أشجى ، وما بك علة ... |
|
تريدين قتلي ، قد ظفرت بذلك |
وما شاكل ذلك ، ويوضع المضمر موضع المظهر ، كقولهم ابتداء من غير جري ، ذكر لفظا أو قرينة حال : رب رجلا ، ونعم رجلا زيد ، وبئس رجلا عمرو ، مكان رب رجل ، ونعم الرجل ، وبئس الرجل ، على قول من لا يرى الأصل : زيد نعم رجلا ، وعمرو بئس رجلا ، وقولهم : هو زيد عالم ، وهي هند مليحة ، مكان الشأن : زيد عالم ، والقصة هند مليحة ، ليتمكن في ذهن السامع ما يعقبه ، وذلك أن السامع متى لم يفهم
__________________
(١) البيتان من البسيط وهما لأحمد بن يحيى المعروف بابن الراوندى المتوفى سنة ٢٥٠ ه الإيضاح (١ / ١٥٥) معاهد التنصيص (١ / ١٤٧) ، شرح عقود الجمان (١ / ١٠٤).
والبيتان ذكرهما الطيبى في التبيان ثم قال بعدهما : أذهب الله عمى قلبه فهلا قال :
كم من أديب فهم قلبه ... |
|
مستكمل العقل مقلّ عديم |
ومن جهول مكثر ماله ... |
|
ذلك تقدير العزيز العليم |
البيتان (١ / ١٥٨) بتحقيقى.
(٢) البيت من الطويل : وهو لابن الدمينة ، شعره (ص ١٦) الإيضاح (١ / ١٥٥) نهاية الإيجاز ص ١١٠ معاهد التنصيص (١ / ١٥٩).