وبات وباتت له ليلة ... |
|
كليلة ذي العاثر الأرمد |
وذلك عن نبأ جاءني ... |
|
وخبرته عن أبي الأسود |
فالتفت في الأبيات الثلاثة.
وأمثال ما ذكر أكثر من أن يضبطها القلم ، وهذا النوع قد يختص مواقعه بلطائف معان قلما تتضح إلا لأفراد بلغائهم ، أو للحذاق المهرة في هذا الفن ، والعلماء النحارير ، ومتى اختص موقعه بشيء من ذلك ، كساه فضل بهاء ورونق ، وأورث السامع زيادة هزة ونشاط. ووجد عنده من القبول أرفع منزلة ومحل ، إن كان ممن يسمع ويعقل (وَقَلِيلٌ ما هُمْ)(١) : (أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ)(٢).
ولأمر ما وقع التباين الخارج عن الحد بين مفسر لكلام رب العزة ومفسر ، وبين غواص في بحر فرائده وغواص ، وكل التفات وارد في القرآن ، متى صرت من سامعيه ، عرفك ما موقعه.
وإذا أحببت أن تصير من سامعيه فأصخ (٣) ، ثم ليتل عليك قوله تعالى : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)(٤) فلعلك [ممن](٥) يشهد له الوجدان بحيث يغنيه عن شهادة ما سواه ، [أليس](٦) أن المرء إذا أخذ في استحضار جنايات جان متنقلا فيها عن الإجمال إلى التفصيل ، وجد من نفسه تفاوتا في الحال بيّنا ، لا يكاد يشبه آخر حاله هناك أولها ، أو ما تراك إذا كنت في حديث مع إنسان ، وقد حضر مجلسكما من له جنايات في حقك ،
__________________
(١) اقتباس من سورة ص ، الآية ٢٤.
(٢) اقتباس من سورة الفرقان ، الآية : ٤٤.
(٣) أصخ : أي استمع وأنصت.
(٤) سورة الفاتحة ، الآية ٤.
(٥) في (ط) وفي (د): (أليس مما).
(٦) من (غ).