كيف تصنع؟ تحول عن الجاني وجهك ، [وتأخذ في الشكاية عنه إلى صاحبك](١) ، تبثه الشكوى معددا جناياته واحدة فواحدة ، وأنت فيما بين ذلك واجد مزاجك يحمى على تزايد ، يحرك حالة لك غضبية تدعوك إلى أن تواثب ذلك الجاني وتشافهه بكل سوء ، وأنت لا تجيب ، إلى أن تغلب ، فتقطع الحديث مع الصاحب ، ومباثتك إياه ، وترجع إلى الجاني مشافها له : بالله ، قل لي : هل عامل أحد مثل هذه المعاملة؟ [هل يتصور معاملة أسوأ مما فعلت؟](٢) أما كان لك حياء يمنعك؟ أما كانت لك مروءة تردعك [عن](٣) هذا؟ وإذا كان الحاضر لمجلسكما ذا نعم عليك كثيرة ، فإذا أخذت في تعديد نعمه عند صاحبك ، مستحضرا لتفاصيلها ، أحسست من نفسك بحالة كأنها تطالبك بالإقبال على منعمك ، وتزين لك ذلك ، ولا تزال تتزايد ما دمت في تعداد نعمه ، حتى تحملك من حيث لا تدري على أن تجدك ، وأنت معه في الكلام ، تثني عليه ، وتدعو له وتقول : بأي لسان أشكر صنائعك الروائع؟ وبأية عبارة أحصر عوارفك الذوارف؟ وما جرى ذلك المجرى.
وإذا وعيت ما قصصته عليك ، وتأملت الالتفات في : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ،) بعد تلاوتك لما قبله من قوله : (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ* الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ* مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) على الوجه الذي يجب وهو : التأمل القلبي ، علمت ما موقعه ، وكيف أصاب المحز ، وطبق مفصل البلاغة ؛ لكونه منبها على أن العبد المنعم عليه بتلك النعم العظام الفائتة للحصر ، إذا قدر أنه ماثل بين يدي مولاه ، من حقه إذا أخذ في القراءة أن تكون قراءته على وجه يجد معها من نفسه شبه محرك إلى الإقبال على من يحمد ، صائر في أثناء القراءة إلى حالة شبيهة بإيجاب ذلك عند ختم الصفات ، مستدعية انطباقها على المنزل على ما هو عليه ، وإلّا لم تكن قارئا.
__________________
(١) من (ط) و (د).
(٢) ليست في (غ).
(٣) في (ط) و (د): (على).