والوجه هو إذا افتتح التحميد أن يكون افتتاحه عن قلب حاضر ، ونفس ذاكرة يعقل فيم هو ، [وعند من هو](١) ، فإذا انتقل من التحميد إلى الصفات أن يكون انتقاله محذوّا به حذو الافتتاح ، فإنه متى افتتح على الوجه الذي عرفت مجريا على لسانه : (الْحَمْدُ لِلَّهِ) أفلا يجد محركا للإقبال على من يحمد من معبود عظيم الشأن؟ حقيق بالثناء والشكر؟ مستحق للعبادة؟
ثم إذا انتقل على نحو الافتتاح إلى قوله : (رَبِّ الْعالَمِينَ) واصفا له بكونه ربّا مالكا للخلق ، لا يخرج شيء من ملكوته وربوبيته ، أفترى ذلك المحرك لا يقوى ، ثم إذا قال : (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ،) فوصفه بما ينبىء عن كونه منعما على الخلق بأنواع النعم : جلائلها ودقائقها ، مصيبا إياهم بكل معروف ، أفلا تتضاعف قوة ذلك المحرك عند هذا؟ ثم إذا آل الأمر إلى خاتمة هذه الصفات ، وهي : (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) المنادية على كونه مالكا للأمر كله في العاقبة يوم الحشر للثواب والعقاب ، فما ظنك بذلك المحرك؟ أيسع ذهنك أن لا يصير إلى حد يوجب عليك الإقبال على مولى شأن نفسك معه منذ افتتحت التحميد ما تصورت ، فتستطيع أن لا تقول : إياك ، يا من هذه صفاته نعبد ونستعين ، لا غيرك ؛ فلا ينطبق على المنزل على ما هو عليه ، وليس ابن الحجر الكندي يبعد ، وهو المشهود له في شأن البلاغة ، والحائز لقصبات السبق في درك اللطائف ، والمفتلذ (٢) للأناسي من عيون النكت في افتنانه في الكلام ، إذا التفت تلك الالتفاتات ، وكان يمكنه أن لا يلتفت البتة ، وذلك أن يسوق الكلام على الحكاية في الأبيات الثلاثة فيقول :
تطاول ليلي بالأثمد ... |
|
ونام الخليّ ولم أرقد |
وبتّ وبات لنا ليلة |
__________________
(١) ليست في (غ).
(٢) المفتلذ للأناسي : المستخرج لهم.