قلت له : أخوك زيد ، أو أخوك الذي يحفظ التوراة ، أو أخوك هذا ، فقدمت الأخ ، أو إذا قلت : زيد أخوك أو الذي يحفظ التوراة أخوك ، أو هذا أخوك ، فأخرت الأخ معرفا له في جميع ذلك أن أحدهما الآخر ، ولا تقدم فيما نحن فيه ما تقدم بسلامة الأمير ، ولكن إذا أثنى عليك بالغيب إنسان ، وعلم أن الثناء نقل إليك وأنت تتصوره ، كالمستخبر عن حالك ، هل تعلم أن ذلك المثني عليك هو ، وهل تحكم على ذلك المثني به ، فتقول : الذي أثني علي بالغيب أنت ، فتأتي بالحكم على الوجه المتصور ، أو كان أثنى عليك هو وغيره ، وعلم أن ثناءهما نقل إليك ، وأنت تتصوره كالطالب إن تبين له ، كيف حكمك عليه وعلى ذلك الآخر؟ فتقول له : الذي أثنى علي بالغيب أنت ، فتأتي بالحكم ما تتصوره ، وتفيده أنك إنما اعتبرت ثناءه دون ثناء غيره ، وإذا قلت : أنت الذي أثنى علي بالغيب ، قلته : إذا كان أثنى عليك ونقل إليك الثناء بمحضره ومحضر غيره ، فتصورته كالطالب أن يتبين له كيف حكمك عليه ، فأتيت بالحكم على الوجه المطلوب ، وإذا قلت : أخوك زيد ، قلته لمن يعتقد أخا لنفسه ، لكن لا يعرفه على التعيين ، فيتصوره طالبا منك الحكم على أخيه بالتعيين.
وإذا قلت : زيد أخوك ، قلته لمن يعلم زيدا ، وهو كالطالب أن يعرف حكما له ، وأنه معتقد أن له أخا ، لكن لا يعلمه على التعيين ، وكذلك إذا قلت : أخوك الذي يحفظ التوراة ، أو الذي يحفظ التوراة أخوك ، أو أخوك هذا ، أو هذا أخوك ، وإذا قلت : زيد المنطلق ، قلته لمن يطلب أن يعرف حكما لزيد ، إما باعتبار تعريف العهد إن كان المنطلق عنده معهودا ، وإما باعتبار تعريف الحقيقة واستغراقها ، وإذا قلت : المنطلق زيد ، قلته للمتشخص في ذهنه المنطلق بأحد الاعتبارين : وهو طالب لتعيينه في الخارج.
وإذا تأملت ما تلوته عليك أعثرك على معنى قول النحويين ، رحمهمالله : لا يجوز تقديم الخبر على المبتدأ إذا كانا معرفتين معا ، بل أيهما قدمت فهو المبتدأ ، وما قد يسبق إلى بعض الخواطر ، من أن المنطلق دال على معنى نسبي ، فهو في نفسه متعين للخبرية ، وأن زيدا دال على الذات ، فهو متعين للمبتدئية ، تقدم أم تأخر ، فلا معرج عليه ، فإن المنطلق لا يجعل مبتدأ إلا بمعنى الشخص الذي له الانطلاق ، وأنه بهذا المعنى لا يجب كونه خبرا ، وأن زيدا لا يوقع خبرا إلا بمعنى صاحب اسم زيد ، ويكون المراد من قولنا : المنطلق زيد ، الشخص الذي له الانطلاق صاحب اسم زيد.