عود ذلك الضمير إلى ما قبله يستند إليه في الدرجة الثانية.
وإذا سلكت هذه الطريقة ، سلكت باعتبارين مختلفين : أحدهما أن يجري الكلام على الظاهر : وهو أن" أنا" مبتدأ ، " وعرفت" خبره ، وكذلك : خ خ أنت عرفت ، خ خ وهو عرف" ؛ ولا يقدّر تقديم وتأخير ، كما إذا قلنا : زيد عارف ، أو زيد عرف ، اللهم إلا في التلفظ.
وثانيهما : أن يقدر أصل النظم : عرفت أنا ، وعرفت أنت ، وعرف هو. ثم يقال : قدم أنا وأنت وهو.
فنظم الكلام بالاعتبار الأول لا يفيد إلا تقوي الحكم ، وسبب تقويه هو : أن المبتدأ لكونه مبتدأ ، يستدعي أن يسند إليه شيء ، فإذا جاء بعده ما يصلح أن يستند إليه صرفه المبتدأ إلى نفسه ، فينعقد بينهما حكم ، سواء كان خاليا عن ضمير المبتدأ ، نحو : زيد غلامك ، أو كان متضمنا له ، نحو : أنا عرفت ، وأنت عرفت ، وهو عرف ، أو زيد عرف ، ثم إذا كان متضمنا لضميره ، صرفه ذلك الضمير إلى المبتدأ ثانيا ، فيكتسي الحكم قوة ، فإذا قلت : هو يعطي الجزيل ، كان المرد تحقيق إعطائه الجزيل عند السامع ، دون تخصيص إعطاء الجزيل به ، وعليه قوله عز وعلا : (وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ)(١) ليس المراد أن شيئا سواهم لا يخلق ، إنما المراد تحقيق أنهم يخلقون ؛ وقوله : (إِنَّ وَلِيِّيَ اللهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ)(٢) وقوله : (وَحُشِرَ لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ)(٣) ، وقوله : (وَإِذا جاؤُكُمْ قالُوا آمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ)(٤) وكذلك إذا قلت : أنت لا تكذب ، كان أقوى للحكم بنفي الكذب عن المخاطب من قولك : لا
__________________
(١) سورة الفرقان الآية ٣.
(٢) سورة الأعراف الآية ١٩٦.
(٣) سورة النمل الآية ١٧.
(٤) سورة المائدة ، الآية ٦١.