تكذب ، من غير شبهة ، ومن قولك : لا تكذب أنت ، فإن أنت هنا لتأكيد المحكوم عليه بنفي الكذب عنه بأنه هو لا غيره ، لا لتأكيد الحكم ، فتدبر ، وعليه قوله تعالى : (وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ)(١) وقوله : (لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ)(٢) وقوله : (فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْباءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لا يَتَساءَلُونَ)(٣) وقوله : (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ)(٤) ويقرب من قبيل : أنا عرفت ، وأنت عرفت ، وهو عرف ، في اعتبار تقوي الحكم : زيد عارف ؛ وإنما قلت : (يقرب) ، دون أن أقول : (نظيره) ؛ لأنه لما لم يتفاوت في الحكاية والخطاب والغيبة في : أنا عارف ، وأنت عارف ، وهو عارف ، أشبه الخالي عن الضمير ، ولذلك لم يحكم على (عارف) بأنه جملة ، ولا عومل معاملتها في البناء حيث أعرب في نحو : رجل عارف ، رجلا عارفا ، رجل عارف ، كما عرف في علم النحو ، واتبعه في حكم الإفراد ، نحو : زيد عارف أبوه.
وبالاعتبار الثاني : يفيد التخصيص قال تعالى : (وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ)(٥) المراد : لا يعلمهم إلا الله ولا يطلع على أسرارهم غيره ، لإبطانهم الكفر في سويداوات قلوبهم ، وسيأتيك بيانه في فصل التقديم والتأخير ، ونظير قولنا : أنا عرفت ، في اعتبار الابتداء ، لكن على سبيل القطع ، قولك : زيد عرفت ، أو عرفته ، وفي اعتبار التقديم : زيدا عرفت ، الرفع يفيد تحقيق أنك عرفت زيدا ، والنصب يفيد أنك خصصت زيدا بالعرفان.
وأما : زيدا عرفته ، فأنت بالخيار ، إن شئت قدرت المفسر قبل المنصوب ، على نحو
__________________
(١) سورة المؤمنون الآية ٥٩.
(٢) سورة يس ، الآية : ٧.
(٣) سورة القصص ، الآية ٦٦.
(٤) سورة الأنفال ، الآية ٥٥.
(٥) سورة التوبة الآية ١٠١.