ترك يودوا إلى لفظ الماضي ، إذ لم تكن تحتمل ودادتهم لكفرهم من الشبهة ، ما كان يحتملها كونهم : إن يثقفوهم أعداء لهم وباسطي الأيدي والألسنة إليهم للقتل والشتم.
و (إذا) للشرط في الاستقبال ، قال الله تعالى (ثُمَّ إِذا أَذاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ)(١) على نحو : (وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذا هُمْ يَقْنَطُونَ)(٢) بإدخال (إذا) في الجزاء ، والأصل فيها القطع بوقوع الشرط ، كما إذا قلت : إذا طلعت الشمس فإني أفعل كذا ، قطعا ، إما تحقيقا كما في المثال المضروب ، أو باعتبار ما خطابي ، وهو النكتة في تغليب لفظ الماضي معه على المستقبل في الاستعمال ، لكون الماضي أقرب إلى القطع من المستقبل في الجملة ، نظرا إلى اللفظ ، قال تعالى : (فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قالُوا لَنا هذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسى وَمَنْ مَعَهُ)(٣) بلفظ : (إذا) في جانب الحسنة ، حيث أريدت الحسنة المطلقة لا نوع منها ، كما في قوله تعالى : (وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِ اللهِ)(٤) وفي قوله تعالى : (وَلَئِنْ أَصابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللهِ لَيَقُولَنَ)(٥) ، لكون حصول الحسنة المطلقة مقطوعا به ، كثرة وقوع واتساعا ، ولذلك عرفت ؛ ذهابا إلى كونها معهودة ، أو تعريف جنس ، والأول أقضى لحق البلاغة ، وبلفظ (إن) في جانب السيئة ، مع تنكير السيئة ، إذ لا تقع إلا في الندرة بالنسبة إلى الحسنة المطلقة ، ولا يقع إلا شيء منها ، ولذلك قيل : قد عددت أيام البلاء ، فهل عددت أيام الرخاء؟ ومنها : (وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِها وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذا هُمْ يَقْنَطُونَ)(٦) بلفظ. (إذا) ، في جانب الرحمة ، وكأن تنكيرها وقصد النوع ، للنظر إلى لفظ الإذاقة فهو المطابق للبلاغة ، وأما قوله :
__________________
(١) سورة الروم الآية : ٣٣ ، ٣٦.
(٢) سورة الأعراف الآية ١٣١.
(٢) سورة الأعراف الآية ١٣١.
(٣) سورة النساء الآية ٧٨.
(٤) سورة النساء الآية ٧٣.
(٥) سورة الروم ، الآية ٣٦.