(وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا)(١) و (إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ)(٢) ، بلفظ : " إن" مع المرتابين ، فإما لقصد التوبيخ على الريبة ، لاشتمال المقام على ما يقلعها عن أصلها ، وتصوير أن المقام لا يصلح إلا لمجرد الفرض للارتياب ، كما قد تفرض المحالات ، متى تعلقت بفرضها أغراض ، كقوله تعالى : (وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجابُوا لَكُمْ)(٣) ، والضمير في" سمعوا" للأصنام ويتأبى أن يقال : وإذا ارتبتم ، ومثله : (أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً أَنْ كُنْتُمْ قَوْماً مُسْرِفِينَ)(٤) فيمن قرأ" إن" لقصد التوبيخ والتجهيل في ارتكاب الإسراف ، وتصوير أن الإسراف من العاقل في مثل هذا المقام واجب الانتفاء ، حقيق أن لا يكون ثبوته إلا على مجرد الفرض ، ومنه ما قد يقول العامل عند التقاضي بالعمالة ، إذا امتد التسويف ، وأخذ يترجم عن الحرمان : إن كنت لم أعمل ، فقولوا اقطع الطمع ، [ينزلهم](٥) لتوهم أن يحرموه ، منزلة من لا يعتقد أنه عمل ، فيقول مجهّلا : إن اعتقدتم أني لم أعمل فقولوا : ويلكم ، وإما لتغليب غير المرتابين ممن خوطبوا على مرتابيهم.
وباب التغليب باب واسع يجري في كل فن ، قال تعالى ، حكاية عن قوم شعيب : (لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا)(٦) أدخل" شعيب" في" لتعودن في ملتنا" بحكم التغليب ، وإلّا فما كان شعيب في ملتهم كافرا مثلهم ، فإن الأنبياء معصومون أن يقع منهم صغيرة فيها نوع نفرة ، فما بال الكفر؟
__________________
(١) سورة البقرة الآية ٢٣.
(٢) سورة الحج : ٥.
(٣) سورة فاطر الآية ١٤.
(٤) سورة الزخرف ، الآية ٥.
(٥) من (غ) ، وفي (ط) ، (د) (فنزلهم).
(٦) سورة الأعراف الآية ٨٨.