قوله : (وَلا تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)(١) خطاب عام لأهل المحشر ، وأن قوله : (إِنَّ أَصْحابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فاكِهُونَ) إلى قوله : (أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ) متقيد بهذا الخطاب ، لكونه تفصيلا لما أجمله : (وَلا تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) وأن التقدير : إن أصحاب الجنة منكم يأهل المحشر ، ثم جاء في التفسير أن قوله هذا : (إِنَّ أَصْحابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فاكِهُونَ) يقال لهم ، حين يسار بهم إلى الجنة ، بتنزيل ما هو للكون منزلة الكائن ، فانظر بعد تحرير معنى الآية : وهو أن أصحاب الجنة منكم يأهل المحشر ، تؤول حالهم إلى أسعد حال ، كيف اشتمل المقام على معنى فليمتازوا عنكم إلى الجنة.
وأما كونه مشركا بين المعطوف والمعطوف عليه في الذي نحن بصدده ، في جهات تجمعهما ، فغير خاف ، ونحو قوله تعالى : (فَلَمَّا جاءَها نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَها وَسُبْحانَ اللهِ رَبِّ الْعالَمِينَ* يا مُوسى إِنَّهُ أَنَا اللهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ* وَأَلْقِ عَصاكَ)(٢).
فإن الكلام مشتمل على تضمين الطلب معنى الخبر ، وذلك أن قوله : (وَأَلْقِ عَصاكَ) معطوف على قوله : (أَنْ بُورِكَ) والمعنى فلما جاءها ، قيل : بورك ، وقيل : ألق عصاك ، لما عرفت في علم النحو أن" أن" هذه لا تأتي إلّا بعد فعل في معنى القول ، وإذا قيل : كتبت إليه أن أرجع وناداني أن قم كان بمنزلة : قلت له : ارجع ، وقال لي : قم ، وأما قوله تعالى : (وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ)(٣) بعد قوله : (أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ)(٤) فيعد معطوفا على : (فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ) وعندي أنه معطوف على قل مرادا قبل : (يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ
__________________
(١) سورة يس ، الآية ٥٤.
(٢) سورة النمل الآيات ٨ ـ ١٠.
(٣) سورة البقرة الآية : ٢٥.
(٤) سورة البقرة الآية ٢٤.