الَّذِينَ كَفَرُوا ،) عما قبله ؛ لكون ما قبله حديثا عن القرآن ، وأن من شأنه كيت وكيت ، وكون : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا ،) حديثا عن الكفار ، وعن تصميمهم في كفرهم. والفصل لازم للانقطاع ؛ لأن الواو ، كما عرفت ، معناه الجمع.
فالعطف بالواو في مثله يبرز في معرض التوخي للجمع بين الضب والنون (١).
ولذلك متى قال قائل : زيد منطلق ، ودرجات الحمل ثلاثون ، وكمّ الخليفة في غاية الطول ، وما أحوجني إلى الاستفراغ ، وأهل الروم نصارى ، وفي عين الذباب جحوظ ، وكان جالينوس ماهرا في الطب ، وختم القرآن في التراويح سنة ، وإن القرد لشبيه بالآدمي ، فعطف : أخرج من زمرة العقلاء ، وسجل عليه بكمال السخافة ، أو عدّ مسخرة من المساخر ، واستطرف نسقه هذا إلى غاية ربما استودع دفاتر المضاحك ، وسفين نوادر الهذيان ، بخلافه إذا ترك العطف ، ورمى بالجمل رمي الحصا والجوز ، من غير طلب ائتلاف بينها ، فالخطب إذا يهون هونا ما ، ومن هنا عابوا أبا تمام في قوله (٢) :
لا والذي هو عالم أنّ النوى ... |
|
صبر ، وأنّ أبا الحسين كريم |
حيث تعاطى الجمع بين : مرارة النوى وكرم أبي الحسين ، ومن أمثلة التوسط ما نتلو من قوله تعالى : (يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَما يَخْرُجُ مِنْها وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وَما يَعْرُجُ فِيها)(٣) وقوله : (إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ* وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ)(٤) وغير ذلك.
__________________
(١) النون : الحوت.
(٢) أورده محمد بن علي الجرجاني في الإشارات ص ١٢٢ وعزاه إليه ، والطيبى في شرحه على مشكاة المصابيح (١ / ٨٧) ، وشرح الصولى للديوان (٢ / ٤١٩) من قصيدة يمدح فيها محمد بن الهيثم أبا الحسين.
(٣) سورة سبأ ، الآية ٢.
(٤) سورة الانفطار الآيتان ١٣ ـ ١٤.