عيسى لم تقل للناس ما أمرتك ، لأني أمرتك أن تدعو الناس إلى أن يعبدوني ، ثم إنك دعوتهم إلى أن يعبدوا من هو دوني ، ألا ترى إلى ما قبله : (وَإِذْ قالَ اللهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ)(١).
وفي قصر الصفة على الموصوف إفرادا : ما شاعر إلّا زيد ، أو ما جاء إلّا زيد ، لمن يرى الشعر لزيد ولعمرو ، أو المجيء لهما. وقلبا : ما شاعر إلا زيد ، ما جاء إلّا زيد ، لمن يرى أن زيدا ليس بشاعر ، وأن زيدا ليس" بجاء".
وتحقيق وجه القصر في الأول هو : أنك بعد علمك أن أنفس الذوات يمتنع نفيها ، وإنما تنفى صفاتها ؛ وتحقيق ذلك يطلب من علوم أخر ، متى قلت : ما زيد ، توجه النفي إلى الوصف ، وحين لانزاع في طوله ولا قصره ، ولا سواده ولا بياضه ، وما شاكل ذلك ، وإنما النزاع في كونه شاعرا أو منجما ، تناولهما النفي فإذا قلت : إلا شاعر ، جاء القصر ؛ وتحقيق وجه القصر في الثاني هو : أنك متى أدخلت النفي على الوصف المسلم ثبوته ، وهو وصف الشعر ، وقلت : ما شاعر ، أو : من شاعر ، أو : لا شاعر ، توجه بحكم العقل إلى ثبوته للمدعى له ، إن عامّا ، كقولك : في الدنيا شعراء ، وفي قبيلة كذا شعراء ، وإن خاصّا كقولك : زيد وعمرو شاعران ، فتناول النفي ثبوته لذلك ، فمتى قلت : إلا زيد أفاد القصر.
وثالثها : استعمال إنما ، كما تقول في قصر الموصوف على الصفة قصر إفراد : إنما زيد جاء ، إنما زيد يجيء ، لمن يردده بين المجيء والذهاب من غير ترجيح لأحدهما : أو قصر قلب لمن يقول : زيد ذاهب لا جاء ؛ وفي تخصيص الصفة بالموصوف إفرادا ، إنما يجيء زيد ، لمن يردد المجيء بين زيد وعمرو ، أو يراه منهما ؛ وقلبا لمن يقول : لا يجيء زيد ، ويضيف إليه الذهاب.
والسبب في إفادة (إنما) معنى القصر ، هو تضمينه معنى : (ما وإلا) ، ولذلك تسمع
__________________
(١) سورة المائدة ، الآية ١١٦.