المفسرين لقوله تعالى : (إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ)(١) بالنصب ، يقولون : معناه ما حرم عليكم إلا الميتة والدم ، وهو المطابق قراءات الرفع المقتضية لانحصار التحريم على الميتة والدم بسبب" إنّ ما" في قراءة الرفع ، يكون موصولا صلته : (حَرَّمَ عَلَيْكُمُ ،) واقعا اسما لإن ، ويكون المعنى : إن المحرم عليكم الميتة ، وقد سبق قولنا : إن المنطق زيد ، وزيد المنطلق ، كلاهما يقتضي انحصار الانطلاق على زيد ، وترى أئمة النحو يقولون : إنما تأتي إثباتا لما يذكر بعدها ونفيا لما سواه ، ويذكرون لذلك وجها لطيفا يسند إلى علي بن عيسى الربعي وأنه كان من أكابر أئمة النحو ببغداد ، وهو : أن كلمة (أن) ، لما كانت لتأكيد إثبات المسند للمسند إليه ، ثم اتصلت بها (ما) المؤكدة لا النافية ، على ما يظنه من لا وقوف له بعلم النحو ، ضاعف تأكيدها ، فناسب أن يضمن معنى القصر ؛ لأن قصر الصفة على الموصوف ، وبالعكس ، ليس إلا تأكيدا للحكم على تأكيد ، ألا تراك متى قلت لمخاطب يردد المجيء الواقع بين زيد وعمرو : زيد جاء لا عمرو ، وكيف يكون قولك : زيد جاء ، إثباتا للمجيء لزيد صريحا ، وقولك : لا عمرو ، إثباتا ثانيا للمجيء لزيد ضمنا ؛ ومما ينبه على أنه متضمن معنى (ما وإلا) صحة انفصال الضمير معه ، كقولك : إنما يضرب أنا ، مثله في : ما يضرب إلا أنا ، قال الفرزدق : (٢)
أنا الذّائد الحامي الذّمار وإنّما ... |
|
يدافع عن أحسابهم أنا أو مثلي |
كما قال غيره (٣) :
قد علمت سلمي وجاراتها ... |
|
ما قطّر الفارس إلا أنا |
ورابعها : التقدير ، كما تقول في قصر الموصوف على الصفة : تميمي أنا ، قصر إفراد
__________________
(١) سورة البقرة الآية ١٧٣.
(٢) أورده محمد بن علي الجرجاني في الإشارات (٩١) وعزاه إليه ، وبدر الدين بن مالك في المصباح ص (٩٦) ، والقزويني في الإيضاح ص (٢١٦).
(٣) أورده القزوينى في الإيضاح ص ٢١٧ وعزاه لعمرو بن معد يكرب. وقطّره بالتضعيف : ألقاه على جنبه. وقطره من باب القتل : صرعه.