ويعوا ، راكبا في ذلك كل صعب وذلول ، أبرز لذلك ، في معرض من ظن أنه يملك غرس الإيمان في قلوبهم ، مع إصرارهم على الكفر ، فقيل له : خ خ لست هناك (إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ)(١) وقوله عز وعلا : (قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا إِلَّا ما شاءَ اللهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَما مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)(٢) مصبوب في هذا القالب.
وطريق (إنما) يسلك مع مخاطب في مقام لا يصر على خطئه ، أو يجب عليه أن لا يصر على خطئه ، لا تقول : إنما زيد يجيء ، أو إنما يجيء زيد ، إلا والسامع متلق كلامك بالقبول ، وكذا لا تقول : (إِنَّمَا اللهُ إِلهٌ واحِدٌ)(٣) ، إلا ويجب على السامع أن يتلقاه بالقبول ، والأصل في (إنما) أن تستعمل في حكم لا يعوزك تحقيقه ؛ إما لأنه في نفس الأمر جلي ، أو لأنك تدعيه جليّا.
فمن الأول قوله تعالى : (إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها)(٤) وقوله : (إِنَّما يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ)(٥) وقوله : إنما يعجل من يخشى الفوت ، وقولك للرجل الذي ترققه على أخيه ، وتنبهه للذي يجب عليه من صلة الرحم ، ومن حسن التحفي : إنما هو أخوك ، ولصاحب الشرك : (إِنَّمَا اللهُ إِلهٌ واحِدٌ)(٦).
ومن الثاني قول الشاعر (٧) :
إنما مصعب شهاب من الله ... |
|
تجلّت عن وجهه الظّلماء |
__________________
(١) سورة فاطر الآية ٢٣.
(٢) سورة الأعراف الآية ١٨٨.
(٣) سورة النساء الآية : ١٧١.
(٤) سورة النازعات الآية ٤٥.
(٥) سورة الأنعام ، الآية : ٣٦.
(٦) سورة النساء الآية : ١٧١.
(٧) أورده بدر الدين بن مالك في المصباح ص (٩٨) وهو لابن قيس الرقيات يمدح مصعب بن الزبير العوام ، وفخر الدين الرازى في نهاية الإيجاز (٣٦١) ، ومحمد بن علي الجرجاني في الإشارات (٩٥).