ذلك السؤال من فرعون على طماعية أن يجري موسى في جوابه على نهج حاضريه ، لو كانوا المسؤولين في وجهه بدله ، فيجعله المخلص لجهله بحال موسى ، وعدم اطلاعه على علو شأنه ، إذ كان ذلك المقام أول اجتماعه بموسى ، بدليل ما جرى فيه من قوله : (أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ* قالَ فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ)(١) فحين سمع المخلص لم [يكنه](٢) ، تعجب وعجب ، واستهزأ وجنّن ، وتفيهق بما تفيهق من : (لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلهَاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ)(٣)
وأما (من) فللسؤال عن الجنس من ذوي العلم ، تقول : من جبريل؟ بمعنى أبشر هو أم ملك أم جني ، وكذا : من إبليس؟ ومن فلان؟ ومنه قوله تعالى ، حكاية عن فرعون : (فَمَنْ رَبُّكُما يا مُوسى)(٤) أراد : من مالككما ومدبر أمركما؟ أملك هو أم جني أم بشر؟ منكرا لأن يكون لهما رب سواه لادعائه الربوبية لنفسه ، ذاهبا في سؤاله هذا إلى معنى ألكما رب سواي ، فأجاب موسى بقوله : (رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى)(٥) كأنه قال : نعم ، لنا رب سواك ، وهو الصانع الذي إذا سلكت الطريق الذي بين ، بإيجاده لما أوجد ، وتقديره إياه على ما قدر ، واتبعت فيه الخريت (٦) الماهر ، وهو العقل الهادي عن الضلال ، لزمك الاعتراف بكونه ربّا ، وأن لا رب سواه ، وأن العبادة له مني ومنك ، ومن الخلق أجمع ، حق لا مدفع له.
وأما (أي) فللسؤال عما يميز أحد المتشاركين في أمر يعمهما ، يقول القائل : عندي ثياب ، فتقول : أي الثياب هي؟ فتطلب منه وصفا يميزها عندك عما يشاركها في الثوبية ، قال ، تعالى ، حكاية عن سليمان : (أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِها)(٧) أي : الإنسي أم
__________________
(١) سورة الشعراء ، الآيتان : ٣٠ ـ ٣١.
(٢) في (غ): (يمكنه).
(٣) سورة الشعراء الآية ٢٩.
(٣) سورة الشعراء الآية ٢٩.
(٤) سورة طه ، الآية : ٤٩ ، ٥٠.
(٥) الخريت : الدليل الحاذق بالدلالة.
(٦) سورة النمل ، الآية ٣٨.