شاكل ذلك ، ولكون (ما) ، للسؤال عن الجنس ، وللسؤال عن الوصف ، وقع بين فرعون وبين موسى ما وقع ؛ لأن فرعون حين كان جاهلا بالله ، معتقدا أن لا موجود مستقلا بنفسه سوى أجناس الأجسام ، اعتقاد كل جاهل لا نظر له ، ثم سمع موسى قال : (إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ)(١) سأل بما عن الجنس سؤال مثله فقال : (وَما رَبُّ الْعالَمِينَ)(٢) كأنه قال : أي أجناس [الأجسام](٣) هو؟ وحين كان موسى عالما بالله ، أجاب عن الوصف ؛ تنبيها على النظر المؤدي إلى العلم بحقيقته الممتازة عن حقائق الممكنات ، فلما لم يتطابق السؤال والجواب عند فرعون الجاهل ، عجب من حوله من جماعة الجهلة ، فقال لهم (أَلا تَسْتَمِعُونَ)(٤) ثم استهزأ بموسى وجنّنه ف : (قالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ)(٥) وحين لم يرهم موسى يفطنون لما نبههم عليه في الكرتين من فساد مسألتهم الحمقاء ، واستماع جوابه الحكيم غلظ في الثالثة ف : (قالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَما بَيْنَهُما إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ)(٦) ويحتمل أن يكون فرعون قد سأل (بما) عن الوصف لكون رب العالمين عنده مشتركا بين نفسه وبين من دعاه إليه موسى في قوله : (إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ) لجهله ، وفرط عتوه ، وتسويل نفسه الشيطانية له ذلك الضلال الشنيع من ادعاء الربوبية وارتكاب أن يقول : (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى)(٧) ونفخ الشيطان في خيشومه بتسليم أولئك البهائم له إياها ، وإذعانهم له بذلك ، وتلقيبهم إياه برب العالمين ، وشهرته فيما بينهم بذلك ، إلى درجات دعت السحرة إذ عرفوا الحق ، وخروا سجدا لله و: (قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ)(٨) إلى أن يعقبوه ، بقولهم : (رَبِّ مُوسى وَهارُونَ)(٩) نفيا لاتهامهم أن يعنوا فرعون ، وأن يكون
__________________
(١) سورة الشعراء ، الآية ١٦.
(٢) سورة الشعراء الآية ٢٣.
(٣) في (غ): (الإسلام) وهو تصحيف.
(٤) سورة الشعراء الآية : ٢٥.
(٥) سورة الشعراء الآية : ٢٧ ، ٢٨.
(٢) سورة الشعراء الآية ٢٣.
(٦) سورة النازعات الآية ٢٤.
(٧) سورة الشعراء الآية ٤٧ ، ٤٨.
(٤) سورة الشعراء الآية : ٢٥.