ولذلك كان قوله عزوجل : (فَهَلْ أَنْتُمْ شاكِرُونَ)(١) أدخل في الإنباء عن طلب الشكر من قولنا : فهل تشكرون ، أو : فهل أنتم تشكرون ، أو : أفأنتم شاكرون ، لما أن : هل تشكرون ، مفيد للتجدد ، و: هل أنتم تشكرون ، كذلك ، و: (أفأنتم شاكرون) ، وإن كان ينبىء عن عدم التجدد ، لكنه دون : (فَهَلْ أَنْتُمْ شاكِرُونَ) لما ثبت أن (هل) أدعى للفعل من الهمزة ، فترك الفعل معه يكون أدخل في الإنباء عن استدعاء المقام عدم التجدد ، ولكون (هل) أدعى للفعل من الهمزة ، لا يحسن : هل زيد منطلق؟ إلا من البليغ ، كما لا يحسن نظير قوله (٢) :
ليبك يزيد ضارع لخصومة
من كل أحد ، على ما سبق في موضعه.
والخطب مع الهمزة في نحو : أزيد منطلق؟ أهون ، وأما (ما) و (من) و (أي) و (كم) و (أين) و (كيف) و (أنّى) و (متى) و (أيان) ، فمن النوع الأول من طلب حصول التصور على تفصيل بينهن ، لا بد من إيقافك عليه ، ليصح منك تطبيقها في الكلام على ما يستوجب ، فنقول :
أما (ما) : فللسؤال عن الجنس ، تقول : ما عندك؟ بمعنى : أي أجناس الأشياء عندك؟ وجوابه : إنسان أو فرس أو كتاب أو طعام ؛ وكذلك تقول : ما الكلمة ، وما الاسم ، وما الفعل ، وما الحرف ، وما الكلام وفي التنزيل : (فَما خَطْبُكُمْ)(٣) بمعنى أي أجناس الخطوب خطبكم ؛ وفيه : (ما تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي)(٤) أي : أي من في الوجود تؤثرونه في العبادة؟ أو عن الوصف ، تقول : ما زيد وما عمرو؟ وجوابه الكريم أو الفاضل ، وما
__________________
(١) سورة الأنبياء الآية ٨٠.
(٢) البيت للحارث بن نهيك ، وسبق تخريجه وتمامه : ومختبط مما تطيح الطوائح
(٣) سورة الحجر ، الآية : ٥٧ وسورة الذاريات ، الآية : ٣١.
(٤) سورة البقرة ، الآية ١٣٣.