حين صدور الكفر منهم ، لا بد من أن يكونوا على إحدى الحالين : إما عالمين بالله ، وإما جاهلين به ، فلا ثالثة ، فإذا قيل لهم : (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ) وقد علمت أن (كيف) للسؤال عن الحال ، وللكفر مزيد اختصاص بالعلم بالصانع وبالجهل به ، انساق إلى ذلك فأفاد : أفي حال العلم بالله تكفرون؟ أم في حال الجهل به؟ ثم إذا قيد : (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ) بقوله : (وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ) وصار المعنى : كيف تكفرون بالله ، والحال حال علم بهذه القصة ، وهي أن كنتم أمواتا فصرتم أحياء ، وسيكون كذا وكذا ، صير الكفر أبعد شيء عن العاقل ، فصار وجوده منه مظنة التعجب. ووجه بعده ، هو أن هذه الحالة تأبى أن لا يكون للعاقل علم بأن له صانعا قادرا ، عالما حيّا ، سميعا بصيرا ، موجودا غنيّا في جميع ذلك عن سواه ، قديما غير جسم ولا عرض ، حكيما خالقا ، منعما مكلفا ، مرسلا للرسل ، باعثا مثيبا معاقبا ، وعلمه بأن له هذا الصانع يأبى أن يكفر ، وصدور الفعل عن القادر ، مع الصارف القوي ، مظنة تعجب وتعجيب ، وإنكار وتوبيخ ، فصح أن يكون قوله تعالى : (كَيْفَ تَكْفُرُونَ) إلى آخر الآية ، تعجبا وتعجيبا ، وإنكارا وتوبيخا ، وكذلك يقال : أين مغيثك؟ للتوبيخ والتقريع والإنكار ، حال تذليل المخاطب ، قال تعالى : (أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ)(١) توبيخا للمخاطبين وتقريعا لهم ؛ لكونه سؤالا في وقت الحاجة إلى الإغاثة عمن كان يدعى له أنه يغيث ، وقال : (فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ)(٢) للتنبيه على الضلال ، ويقال : أنّى تعتمد على خائن ، للتعجب والتعجيب والإنكار ، قال الله تعالى : (فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ)(٣) إنكارا وتوبيخا وقال : (أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرى وَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ)(٤) استبعادا لذكراه ، ويقال : متى قلت هذا؟ للجحد والإنكار ، ومتى تصلح شأني؟ للاستبطاء.
__________________
(١) سورة القصص ، الآيات : ٦٢ و ٧٤.
(٢) سورة التكوير ، الآية ٢٦.
(٣) سورة الأنعام ، الآية : ٩٥.
(٤) سورة الدخان ، الآية ١٣.