وقد عرفت الطريق فراجع نفسك ، وإذا سلكتها فاسلكها عن كمال التيقظ لما لقنت ، فلا تجوز بعد ما عرفت أن التقديم يستدعي العلم بحال نفس الفعل ، وقوعا أو غير وقوع ؛ أزيدا ضربت؟ سائلا عن حال وقوع الضرب ، ولا : أأنت ضربت زيدا؟ بنية التقديم ، ولا ترضى : أزيدا ضربت أم لا؟ ولا : أأنت ضربت زيدا أم لا؟ بنية التقديم ولكن إن شئت (أم) فقل : أزيدا ضربت (أم) غيره؟ و: أأنت ضربت زيدا (أم) غيرك؟ وإن أردت بالاستفهام التقرير ، فأخذه على مثال الإثبات ، فقل حال تقرير الفعل : أضربت زيدا؟ أو : أتضرب زيدا؟ وقل حال تقرير أنه الضارب دون عمرو : أأنت ضربت زيدا؟ كما قال تعالى : (أَأَنْتَ فَعَلْتَ هذا بِآلِهَتِنا يا إِبْراهِيمُ)(١) أو أن زيدا مضروبه : أزيدا ضربت؟ وإن أردت به الإنكار ، فانسجه على منوال النفي ، فقل في إنكار نفس الضرب : أضربت زيدا؟ أو قل : أزيدا ضربت أم عمرا؟ فإنك إذا أنكرت من يردد الضرب بينهما ، تولد منه إنكار الضرب على وجه برهاني ، ومنه قوله تعالى : (قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ)(٢) وفي إنكار أنه الضارب : أأنت ضربت زيدا؟ وفي إنكار أن زيدا مضروبه : أزيدا ضربت؟ كما قال تعالى : (قُلْ أَغَيْرَ اللهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا)(٣) وقال : (أَغَيْرَ اللهِ تَدْعُونَ)(٤) ومنه أيضا قوله تعالى : (أَبَشَراً مِنَّا واحِداً نَتَّبِعُهُ)(٥) فتذكر ، ولا تغفل عن التفاوت بين الإنكار للتوبيخ على معنى : لم كان ، أو : لم يكون ، كقولك : أعصيت ربك؟ أو أتعصى ربك؟ وبين الإنكار للتكذيب على معنى : لم يكن ، أو : لا يكون كقوله تعالى : (أَفَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ)(٦) وقوله : (أَصْطَفَى الْبَناتِ
__________________
(١) سورة الأنبياء ، الآية ٦٢.
(٢) سورة الأنعام ، الآية ١٤٣.
(٣) سورة الأنعام ، الآية ١٤.
(٤) سورة الأنعام ، الآية ٤٠.
(٥) سورة القمر ، الآية ٢٤.
(٦) سورة الإسراء الآية : ٤٠.