العالم القادر من الخلق به تعالى ، وتقدس عن ذلك علوّا كبيرا ، تعريضا به عن أبلغ الإنكار لتشبيه ما ليس بحي عالم قادر به تعالى ، ويكون قوله : (أَفَلا تَذَكَّرُونَ*) تنبيه توبيخ على مكان التعريض ، وقوله عزوجل : (أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ)(١) بدل أرأيت من اتخذ هواه [إلهه](٢) مصبوب في هذا القالب ، فأحسن التأمل تر التقديم قد أصاب شاكلة الرمي.
وإنما جعلنا الغرض العائد إلى المشبه به هو ما ذكرنا ، لأن المشبه به حقه أن يكون أعرف بجهة التشبيه من المشبه ، وأخص بها ، وأقوى حالا معها ، وإلّا لم يصح أن يذكر لبيان مقدار المشبه ، ولا لبيان إمكان وجوده ، ولا لزيادة تقريره على الوجه الذي تقدم ، ولا لإبرازه في معرض التزيين كالوجه الأسود ، إذا شبهته بمقلة [الظبي](٣) ، محاولا لنقل استحسان سوادها إلى سواد الوجه ؛ أو معرض التشويه : كالوجه المجدور إذا شبهته بسلحة جامدة قد نقرتها الديكة ، أراد نقل مزيد استقباحها ونفرتها إلى جدري الوجه ، لامتناع تعريف المجهول بالمجهول ، وتقرير الشيء بما يساويه التقرير الأبلغ ؛ أو معرض الاستطراف : كالفحم فيه جمر موقد ، إذا شبهته ببحر من المسك موجه الذهب ، نقلا لامتناع وقوعه إلى الواقع ليستطرف ، أو للوجه الآخر على ما تقدم لمثل ما ذكر.
وربما كان الغرض العائد إلى المشبه به بيان كونه أهم عند المشبه ، كما إذا أشير لك إلى وجه كالقمر في الإشراق والاستدارة ، وقيل : هذا الوجه يشبه ما ذا؟ فقلت : خ خ الرغيف إظهارا لاهتمامك بشأن الرغيف لا غير ، وهذا الغرض يسمى إظهار المطلوب ، ولا يحسن المصير إليه إلّا في مقام الطمع في تسني المطلوب ، كما يحكى عن الصاحب ، رحمهالله ، أن قاضي سجستان دخل عليه فوجده الصاحب متفننا ، فأخذ
__________________
(١) سورة الفرقان الآية : ٤٣.
(٢) ليست في (غ).
(٣) في (د) (الصبى).