بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ)(١) فإن وجه تشبيه المنافقين بالذين شبهوا بهم في الآية ، هو رفع الطمع إلى تسني مطلوب بسبب مباشرة أسبابه القريبة مع تعقب الحرمان والخيبة ، لانقلاب الأسباب ، وأنه أمر توهمى كما ترى منتزع من أمور جمة ؛ وكالذي في قوله تعالى أيضا : (أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ فِيهِ ظُلُماتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ)(٢) وأصل النظم : أو كمثل ذوي صيب ، فحذف خ خ ذوي لدلالة : (يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ) عليه ، وحذف : خ خ مثل لما دل عليه عطفه على قوله : (كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً) إذ لا يخفى أن التشبيه ليس بين مثل المستوقدين ، وهو صفتهم العجيبة الشأن وبين ذوات ذوي الصيب ، إنما التشبيه بين صفة أولئك ، وبين صفة هؤلاء ، ونظيره قوله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصارَ اللهِ كَما قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوارِيِّينَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ)(٣) فأوقع التشبيه بين : كون الحواريين أنصار [الله](٤) وبين : قول عيسى للحواريين (مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ ،) وإنما المراد : كونوا أنصار الله مثل كون الحواريين أنصاره ، وقت قول عيسى : من أنصاري؟ على أن (ما) مصدريّ مستعمل (ما قال) استعمال مقدم [الحاج](٥) ، ثم نظير المذكور في حذف المضاف والمضاف إليه قول القائل (٦) :
أسأل البحّار فأنتحى للعقيق
__________________
(١) سورة البقرة الآية ١٧.
(٢) سورة البقرة ، الآية : ١٩.
(٣) سورة الصف ، الآية ١٤.
(٤) في (ط): (الإله) ، وفي (د): (لله).
(٥) كذا في (ط) و (د) وفي (غ) (لحاج).
(٦) البيت من الطويل لأبي دؤاد في صفة البرق.