وقول الآخر (١) :
وقد جعلتني من [خزيمة](٢) إصبعا
على ما قدر الشيخ أبو علي الفارسي (٣) ، رحمهالله ، من أسأل سقيا سحابه ، ومن : ذا مسافة إصبع ، وحذف المضافات من الكلام عند الدلالة سائغ ، من ذلك قوله تعالى : (فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى)(٤) تقديره : فكان مقدار مسافة قرب جبريل ، عليهالسلام ، مثل قاب قوسين ، وأن قوله : (أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ)(٥) إلى الآخر ، تمثيل لما أنّ وجه التشبيه بينهم وبين المنافقين هو أنهم في المقام المطمع في حصول المطالب ، ونجح المآرب ، لا يحظون إلا بضد المطموع فيه من مجرد مقاساة الأهوال ، وأنه كما ترى مما نحن بصدده ، وكذا الذي في قوله عزوجل : (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً)(٦) فإن وجه التشبيه بين أحبار اليهود الذين كلفوا العمل بما في التوراة ، ثم لم يعملوا بذلك ، وبين الحمار الحامل للإسفار ، هو
__________________
(١) البيت من الطويل ، وهو لكلحبة العرني ، وهو في المفضليات ٣٠ ، والنوادر ١٣٥ ، وصدر البيت : فأدرك إبقاء القراوة ظلعها ..
الإصبع : الأثر الحسن.
(٢) في (د) بالحاء المهملة والمثبت من (غ).
(٣) أبو علي الفارسي : حسن بن أحمد بن فارس ، أخذ عنه السيرافي والرماني ، كان واحد زمانه في علم العربية. من أساتذته الزجاج وابن السراج أقام بحلب عند سيف الدولة ، وله مع المتنبي مجالس ، قيل إنه كان أعلم من المبرد ، توفي في بغداد سنة ٣٧٧ ه من كتبه : أسرار البلاغة ودلائل الاعجاز ، والإيضاح في النحو ، المقصور والممدود ... اتهم بالاعتزال. ترجمته في : تاريخ بغداد : ٧ / ٢٧٥ ـ ٢٧٦ ، معجم الأدباء : ٧ / ٢٣٢ ـ ٢٦١ ، وبغية الوعاة وإنباه الرواة ، ووفيات الأعيان.
(٤) سورة النجم الآية ٩.
(٥) سورة البقرة الآية ١٩.
(٦) سورة الجمعة ، الآية : ٥.