فالمستعار له ظهور النهار من ظلمة الليل ، والمستعار منه ظهور المسلوخ من جلدته ، فالطرفان حسيان ، والجامع هو ما يعقل من ترتب أحدهما على الآخر. وكذلك قوله : (فَجَعَلْناها حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ)(١) فالمستعار له الأرض المزخرفة المتزينة ، والمستعار منه النبات ، وهما حسيان ، والجامع الهلاك ، وهو أمر معقول ، وكذلك قوله : (حَصِيداً خامِدِينَ)(٢) فأصل الخمود للنار.
ومن الثالث قوله عز اسمه : (مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا)(٣) ، فالرقاد مستعار للموت ، وهما أمران معقولان ، والجامع عدم ظهور الأفعال ، وقوله : (وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا)(٤) فالقدوم : هو مجيء المسافر بعد مدة ، مستعار للأخذ في الجزاء بعد الإمهال ، وهما أمران معقولان ، والجامع وقوع المدة في البين ، وقوله : (سَنَفْرُغُ لَكُمْ) أيها (الثَّقَلانِ)(٥) ، فالفراع وهو الخلاص عن المهام ، والله ـ عز سلطانه ـ لا يشغله شأن عن شأن ، وقع مستعارا للأخذ في الجزاء وحده ، وذلك أمر عقلي ، والطرفان عقليان ؛ وقوله : (تَكادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ)(٦) وكذا قوله : (سَمِعُوا لَها تَغَيُّظاً وَزَفِيراً)(٧) ؛ فالغيظ والتغيظ مستعاران من الحالة الوجدانية التي تدعو إلى الانتقام للحالة المتوهمة من نار الله ، أعاذنا الله منها برحمته وفضله ، وقوله : (وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ)(٨) فالمستعار منه هو إمساك اللسان عن الكلام ، وإنه أمر معقول ، والمستعار له تفاوت
__________________
(١) سورة يونس ، الآية : ٢٤.
(٢) سورة الأنبياء ، الآية : ١٥.
(٣) سورة يس ، الآية : ٥٢.
(٤) سورة الفرقان ، الآية : ٢٣.
(٥) سورة الرحمن ، الآية : ٣١.
(٦) سورة الملك ، الآية : ٨.
(٧) سورة الفرقان ، الآية : ١٢.
(٨) سورة الأعراف ، الآية : ١٥٤.