الغضب عن اشتداده إلى السكون ، وإنه أيضا أمر وجداني عقلي ، والجامع هو أن الإنسان مع الغضب ، إذا اشتد ، وجد حالة للغضب كأنها تغريه ، وإذا سكن وجده كأنه قد أمسك عن الإغراء.
ومن الرابع قوله عز اسمه : (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ)(١) ، فأصل استعمال القذف والدمغ في الأجسام ، ثم استعير القذف لإيراد الحق على الباطل ، والدمغ لإذهاب الباطل ، فالمستعار منه حسي ، والمستعار له عقلي ، وقوله : (مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَالضَّرَّاءُ)(٢) ، فأصل المساس في الأجسام ، ثم وقع مستعارا لمقاساة الشدة ، وقوله : (وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ)(٣) فالمستعار منه ضرب الخيمة أو ما شاكلها ، وإنه أمر حسي ، والمستعار له التثبيت ، وإنه أمر عقلي. وكذا قوله : (وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ)(٤) فأصل الزلزال التحريك العنيف ، ثم وقع مستعارا لشدة ما نالهم. وقوله : (فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ)(٥) ، فالصدع وهو كسر الزجاجة ببذل الإمكان ، وإنه أمر حسي ، مستعار لتبليغ الرسالة ببذل الإمكان ، وإنه أمر عقلي. وقوله : (وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا)(٦) فأصل الخوض في الماء ثم وقع مستعارا لذكر الآيات ، وكل خوض ذمه الله في القرآن فهو من هذا القبيل ، وقوله : (أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ)(٧) ، فالوادي مستعار للأمر ، والهيمان : الاشتغال به على سبيل التحير ، فالمستعار منه في هذه الأمثلة حسي ، والمستعار له عقلي.
__________________
(١) سورة الأنبياء ، الآية : ١٨.
(٢) سورة البقرة ، الآية : ٢١٤.
(٣) سورة البقرة ، الآية : ٦١.
(٤) سورة البقرة ، الآية : ٢١٤.
(٥) سورة الحجر ، الآية : ٩٤.
(٦) سورة الأنعام ، الآية : ٦٨.
(٧) سورة الشعراء ، الآية : ٢٢٥.