مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ)(١) فتركت الحكاية للوجه المذكور في : (كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ*)(٢) وأما اختيار لفظة : خ خ كذبوا على : خ خ كفروا ؛ فلأن هذه الآية ، لما بنيت على قوله : (ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ)(٣) وكان المعنى : خ خ ذلك العذاب ، أو : ذلك العقاب كان بسبب أن غيروا الإيمان إلى الكفر ، فغير الله الحكم. بل كانوا كفارا قبل بعثة الرسل ، وبعدهم ، وإنما كان تغير حالهم ، أنهم كانوا قبل بعث الرسل كفارا فحسب. وبعد بعثة الرسل صاروا كفارا مكذبين. فبناء هذه الآية على قوله : (ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً)(٤) اقتضى لفظة : (كَذَّبُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ)(٥). وأما اختيار لفظ : خ خ الرب ، على : خ خ الله ؛ فلأنه صريح في معنى النعمة ، فلما غيروا بتضاعف الكفر ، وهو التكذيب ، اقتضى التصريح بما يفيد زيادة التشنيع.
وأما الحكاية في : (فَأَهْلَكْناهُمْ) فللتفنن في الكلام ، ولئلا يخلو عما هو أصل الكلام ، ومنها أنهم يقولون : أدنى درجات كون الكلام معجزا أن لا يكون معيبا ، وقرآنكم معيب ، فأنى يكون صالحا للإعجاز.
ويقولون في الآيات المتشابهة : قدروا أنها تستحسن فيما بين البلغاء لمجازاتها ، واستعاراتها ، وتلويحاتها ، وإيماءاتها ، وغير ذلك. ولكن جهاتها في الحسن هناك ، إذا استتبعت ، مضادة المطلوب ، بتنزيله إغواء الخلق ، بدل الإرشاد ، أفلا يكون هذا عيبا ، واستتباعها للإغواء ظاهر؟ وذلك أنكم تقولون : إن القرآن كلام مع الثقلين ، وتعلمون أن فيهم المحق والمبطل ، والذكي والغبي ، [فيقولوا](٦) : إذا سمع المجسم : (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى)(٧) أليس يتخذه عكازة يعتمد عليها في باطله. فينقلب الإرشاد
__________________
(١) سورة الأنفال ، الآية : ٥٤.
(١) سورة الأنفال ، الآية : ٥٤.
(٢) سورة الأنفال ، الآية : ٥٣.
(٣) سورة الأنفال ، الآية : ٥٤.
(٣) سورة الأنفال ، الآية : ٥٤.
(٤) كذا في الأصول.
(٥) سورة طه ، الآية : ٥.