طويلا ثم عاد إلى الشام ، وله أشعار كثيرة فيها ذكر حلب ونواحيها ، وكان يتعزل بها. وقد روى عنه أشياء من شعره أبو العباس المبرد ومحمد بن خلف بن المرزبان والقاضي أبو عبد الله المحاملي ومحمد بن أحمد الحكيمي وأبو بكر الصولي وغيرهم.
قال صالح بن الأصبغ التنوخي المنبجي : رأيت البحتري هاهنا عندنا قبل أن يخرج إلى العراق يجتاز بنا في الجامع من هذا الباب وأومأ إلى جنبتي المسجد يمدح أصحاب البصل والباذنجان وينشد الشعر في ذهابه ومجيئه ، ثم كان منه ما كان في علوة التي شبب بها في كثير من أشعاره ، وهي بنت زريقة الحلبية وزريقة أمها.
وحكى أبو بكر الصولي في كتابه الذي وضعه في أخبار أبي تمام الطائي أن البحتري كان يقول : أول أمري في الشعر ونباهتي فيه أني صرت إلى أبي تمام وهو بحمص فعرضت عليه شعري وكان يجلس ولا يبقى شاعر إلا قصده وعرض عليه شعره ، فلما سمع شعري أقبل علي وترك الناس ، فلما تفرقوا قال لي : أنت أشعر من أنشدني فكيف حالك؟ فشكوت خلة ، فكتب إلى أهل معرة النعمان وشهد لي بالحذق وشفع لي إليهم وقال : امتدحهم ، فصرت إليهم فأكرموني بكتابه ووظفوا لي أربعة آلاف درهم فكانت أول مال أصبته.
وقال أبو عبادة المذكور : أول ما رأيت أبا تمام وما كنت رأيته قبلها أني دخلت إلى أبي سعيد محمد بن يوسف فامتدحته بقصيدتي التي أولها :
أأفاق صبّ من هوى فأفيقا |
|
أم خان عهدا أم أطاع شفيقا |
فأنشدته إياها ، فلما أتممتها سرّ بها وقال لي : أحسن الله إليك يا فتى ، فقال له رجل في المجلس : أعزك الله شعري علقه هذا الفتى فسبقني به إليك ، فتغير أبو سعيد وقال لي : يا فتى قد كان في نسبك وقرابتك ما يكفيك أن تمتّ به إلينا ولا تحمل نفسك إلى هذا ، فقلت : هذا شعري أعزك الله ، فقال الرجل : سبحان الله يا فتى ، لا تقل هذا ، ثم ابتدأ فأنشد من القصيدة أبياتا ، فقال لي أبو سعيد : نحن نبلغك ما تريد ولا تحمل نفسك على هذا ، فخرجت متحيرا لا أدري ما أقول : ونويت أن أسأل عن الرجل من هو ، فما أبعدت حتى ردني أبو سعيد ثم قال لي : جنيت عليك فاحتمل ، أتدري من هذا ، فقلت : لا ، قال : هذا ابن عمك حبيب بن أوس الطائي أبو تمام فقم إليه ، فقمت إليه فعانقته ، ثم