لما رأى لبد النسور تطايرت |
|
رفع القوادم كالفقير الأعزل (١) |
انهض لبد ، هيهات صدّك الأبد ولما ورد الكتاب المشتمل اوليه (هكذا) على ما لا يستوجبه من حسن الظن (٢) ، عكفت به عليّ الغربان مبشّرات ، مثلّثات بالنعيب ومعشّرات ، لو أنس إليّ ابن دأية لم أخله إن رغب في الحلي من حجل في الرجل ، أو تقليد يقع بالجيد ، ولضمّخت جناحه مسكا وعنبرا ، وكسوته وشيا وحبرا ، على أنه يختال من لون الشبيبة في أحسن سبيبة ، يا غراب لغيرك بعدها التراب ، إن قضى الله نبذت لك ما تؤثره من الطعام ، إتاوة في كل يوم لا في كل عام ، كأن كتابه الكريم قسيمة من الطيب تضوّع بالأناب القطيب ، وكأنما طرقتني منه روضة نجدية ، سقتها الأنواء الأسدية ، فعمد ثراها وأرجت رباها ، وأبدى بهارها للأبصار ، كدنانير ضربت قصار ، وازدانت من الشقيق ، بمشبه العقيق ، ولعب فيها الماء ، وهي أرض وكأنها سماء ، ولها من النجم نجوم ، ومن طل الشجر دمع مسجوم ، ولقد سألت الوارد أن يؤنسني بتركه (لدي) لكي أستمع في ناجر ، بمشابه خبيئة الحاجر ، ولأن أكون جليس الروضة بينا يرى لها منظرا مبهجا ، ساف منها عرفا متأرّجا ، وإن العامة عهدتني في صدر الأمور أستصحب شيئا من أساطير الأولين ، فقالت : عالم ، والناطق بذلك الظالم. ورأتني مضطرا إلى القناعة ، فقالت : هذا زاهد ، وأنا في طلب الدنيا جاهد. وزاد تقوّل القوم عليّ حتى خشيت أن أكون كأحد الجهال الذين ورد فيهم الخبر المأثور عن النبي صلىاللهعليهوسلم : «إن الله لا يقبض العلم انتزاعا من صدور الناس ، ولكن يقبض العلم بموت العلماء ، حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤوسا جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم ، فضلّوا وأضلّوا» فغدوت حلس ربع كالميت بعد ثلاث أو سبع. ثم حدثت علّة كنّي عنها في المستمع ، وعاقت عن الحضور في الجمع. وفي الكتاب العزيز (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ).
وإنما ذكرت لك ذلك لينتهي إلى الموقف الأشرف أن تخلفي لمرض ، عاق عن أداء
__________________
(١) البيت للبيد.
(٢) في الطبعة المصرية : ولما كان اليوم الذي ورد فيه الكتاب المشتمل من حسن الظن بوليه على ما لا يستوجبه.