أربعين وأربعمائة. قال : وبها بيمارستان صغير ، كذا نقلته من خط الصاحب ، ثم رأيت في تاريخ الصاحب من خطه أيضا ما لفظه : المختار بن الحسن بن عبدون بن سعدون بن بطلان الطبيب أبو الحسن البغدادي ، طبيب حاذق نصراني ، له مصنفات حسنة في الطب ، وعدّدها ، وله شعر ، وهو الذي بنى البيمارستان بأنطاكية ، وقيل هو وضع البيمارستان بحلب وجدد نور الدين عمارته ، وإنه اختار له هذه البقعة التي هو الآن فيها بحلب دون سائر بقاعها وإنه اختبر صحتها بلحم علقه في أماكن حلب بأسرها فلم يجد أصلح من هذا المكان لبناء البيمارستان ، فإن اللحم لم يتغير.
وقفت له على مقالة وضعها في علة نقل الأطباء تدبير أكثر الأمراض التي كانت تعالج قديما بالأدوية الحارة إلى التدبير المبرد كالفالج واللقوة ومخالفتهم في ذلك لمسطور القدماء ، صنفها في سنة خمس وخمسين وأربعمائة بأنطاكية ، وقال في آخرها وأظنه بخطه : قال المختار ابن الحسن : صنفت هذه المقالة لصديق لي في سنة ٤٥٥ وأنا يومئذ مكدود الجسم منقسم الفكر في جميع الآلات لبناء بيمارستان بأنطاكية. وقال في أثناء هذه المقالة : ومما يدل أيضا على اختلاف أحوال البلاد بتنقل القرانات ما حكاه لنا مشايخ أهل حلب أن شجرة النارنج ما كانت تنبت بحلب لشدة بردها ، وأن الدور القديمة كلها لم تكن تستطاع السكنى في الطبقة السفلى منها ، وأن البادهنجات حدثت منذ زمن قريب ، حتى إن لادار إلا وفيها عدة بادهنجات بعد أن لم يكن بحلب ولا واحد.
ووجدت في تعليق لي : خرج ابن بطلان من بغداد سنة تسع وثلاثين وأربعمائة وسافر إلى الشام ودخل مصر في سنة أربعين وأربعمائة وأقام بها ثلاث سنين ، ثم عاد إلى القسطنطينية وأقام بها سنة ، ثم خرج منها إلى حلب وأقام بها مدة وبأنطاكية ، وكان يتردد من إحداهما إلى الأخرى إلى أن ترهب بأنطاكية ومات بها بعد خمس وخمسين.
وكان القاضي كسرى قاضي حلب قد أسن وانحدر إلى ركبته مرض أزمنه ومنعه المشي ، فجاء أبو غانم وهو ابن بنت القاضي كسرى بابن بطلان الطبيب ، فنظر إلى موضع الألم وقال : أدخلوه إلى حمّام حارة واتركوه بها حتى يغشاه الكرب ويضيق نفسه ، ولا تمكنوه من الخروج ، فإذا غلبكم على رأيكم وقام خارجا بنفسه فخذوا ماء باردا واضربوا به فخذه إلى ركبته ، فإنه يبرأ ، فأدخلوه إلى حمّام الكنيسة عند باب الجامع ، وهي حمام النطّاعين وقد دثرت الآن. وفعلوا به ما قال ، فأراد أن يستريح وطلب ذلك منهم ، فقالوا