من أنا وشدد النون وفتحها ، فلما وقف أبو نصر على ذلك سرّ وعلم أنه قصد به (إِنَّا لَنْ نَدْخُلَها أَبَداً ما دامُوا فِيها) وكتب الجواب يستصوب رأيه ، فكتب إليه الخفاجي :
خف من أمنت ولا تركن إلى أحد |
|
فما نصحتك إلا بعد تجريب |
إن كانت الترك فيهم غير وافية |
|
فما تزيد على غدر الأعاريب |
تمسكوا بوصايا اللؤم بينهم |
|
وكاد أن يدرسوها بالمحاريب |
واستدعي محمود بأبي نصر بن النحاس وقال : أنت أشرت عليّ بتولية الخفاجي ، وما أعرفه إلا منك ، ومتى لم يفرغ بالي منه قتلتك وألحقت بك جميع من بينك وبينه صلة وحرمة. فقال : مرني بأمر أمتثله ، قال : تمضي إليه وفي صحبتك ثلاثون فارسا ، فإذا قاربته عرّفه بحضورك فإنه يلتقيك ، فإذا حضر وسألك النزول عنده والأكل معه ، فامتنع وقل له : إني حلّفتك ألا تأكل زاده ولا تحضر مجلسه حتى يطيعك في الحضور عندي ، وطاوله في الحديث حتى يقارب الظهر ، ثم ادّع أنك جعت وأخرج هذه الخشكنانجتين ، فكل أنت هذه وأطعمه هذه ، فإذا استوفى أكلها عجّل الحضور إلي ، فإن منيته فيها. ففعل ما أمره به. ولما أكلها الخفاجي رجع أبو نصر إلى حلب ورجع الخفاجي إلى عزاز ، فلما استقر بها وجد مغصا شديدا ورعدة شديدة فقال : قتلني والله أخي أبو نصر. ثم أمر بالركوب خلفه ورده ، ففاتهم إلى حلب ، فصبح من الغد محمود فجاءه من عزاز من أخبره أن الخفاجي في السياق ومات. وكانت وفاته في سنة ست وستين وأربعمائة ، وحمل إلى حلب.
ومن شعره :
وقالوا قد تغيّرت الليالي |
|
وضيّعت المنازل والحقوق |
فأقسم ما استجد الدهر خلقا |
|
ولا عدوانه إلا عتيق |
أليس يردّ عن فدك عليّ |
|
ويملك أكثر الدنيا عتيق |
وقال أيضا :
بقيت وقد شطّت بكم غربة النوى |
|
وما كنت أخشى أنني بعدكم أبقى |
وعلمتموني كيف أصبر عنكم |
|
وأطلب من رقّ الغرام بكم عتقا |
فما قلت يوما للبكاء عليكم |
|
رويدا ولا للشوق بعدكم رفقا |