منقذ ، لأنه كان نازلا مجاور القلعة بقرب الجسر المعروف اليوم بجسر بني منقذ ، وكانت القلعة بيد الروم ، فحدثته نفسه بأخذها ، فنازلها وتسلمها بالأمان في رجب سنة أربع وسبعين وأربعمائة ، ولم تزل في يده ويد أولاده إلى أن جاءت الزلزلة سنة اثنتين وخمسين وخمسمائة فهدمتها وقتلت كل من فيها من بني منقذ وغيرهم تحت الهدم وشغرت ، فجاء نور الدين محمود بن زنكي صاحب الشام في بقية السنة وأخذها. وكان سديد الملك المذكور مقصودا وخرج من بيته جماعة نجباء أمراء فضلاء كرماء. ومدحه جماعة من الشعراء كابن الخياط والخفاجي وغيرهما ، وكان له شعر جيد أيضا ، فمنه قوله وقد غضب على مملوك له وضربه :
أسطو عليه وقلبي لو تمكن من |
|
كفيّ غلهما غيظا إلى عنقي |
وأستعير إذا عاقبته حنقا |
|
وأين ذل الهوى من عزة الحنق |
وكان موصوفا بقوة الفطنة. وينقل عنه حكاية عجيبة وهي أنه كان يتردد إلى حلب قبل تملكه شيزر ، وصاحب حلب يومئذ تاج الملوك محمود بن صالح بن مرداس ، فجرى أمر خاف سديد الملك المذكور على نفسه منه ، فخرج من حلب إلى طرابلس الشام وصاحبها يومئذ جلال الملك بن عمار ، فأقام عنده ، فتقدم محمود بن صالح إلى كاتبه أبي نصر محمد ابن الحسين بن علي بن النحاس الحلبي أن يكتب إلى سديد الملك كتابا يتشوقه ويستعطفه ويستدعيه إليه ، وفهم الكاتب أنه يقصد له شرا ، وكان صديقا لسديد الملك ، فكتب الكتاب كما أمر إلى أن بلغ إلى «إن شاء الله تعالى» فشدد النون وفتحها ، فلما وصل الكتاب إلى سديد الملك عرضه على ابن عمار صاحب طرابلس ومن في مجلسه من خواصه فاستحسنوا عبارة الكتاب واستعظوا ما فيه من رغبة محمود فيه وإيثاره لقربه ، فقال سديد الملك : إني أرى في الكتاب ما لا ترون ، ثم أجابه عن الكتاب بما اقتضاه الحال وكتب في جملة الكتاب : أنا الخادم المقر بالإنعام وكسر الهمزة من أنا وشدد النون ، فلما وصل الكتاب إلى محمود ووقف عليه الكاتب سر بما فيه وقال لأصدقائه : قد علمت أن الذي كتبته لا يخفى على سديد الملك ، وقد أجاب بما طيب نفسي. وكان الكاتب قد قصد قول الله تعالى (إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ) فأجاب سديد الملك بقوله تعالى : (إِنَّا لَنْ نَدْخُلَها أَبَداً ما دامُوا فِيها) فكانت هذه معدودة من تيقظه وفهمه. هكذا ساق هذه الحكاية أسامة في مجموعه إلى الرشيد بن الزبير في ترجمة ابن النحاس. وكانت وفاته في سنة خمس وسبعين