وتصرف في المداوة. حدثني الشيخ صفي الدين خليل بن أبي الفضل بن منصور التنوخي الكاتب اللاذقي قال : كان الملك العادل نور الدين محمود بن زنكي بحلب ، وكانت له في القلعة بها حظية يميل إليها كثيرا ، ومرضت مرضا صعبا ، وتوجه الملك العادل إلى دمشق وبقي قلبه عندها وكل وقت يسأل عنها ، فتطاول مرضها ، وكان يعالجها جماعة من أفاضل الأطباء ، وأحضر إليها الحكيم سكرة فوجدها قليلة الأكل متغيرة المزاج لم تزل جنبها إلى الأرض ، فتردد إليها مع الجماعة ، ثم استأذن الخادم في الحضور إليها وحده فأذنت له ، فقال لها : يا ستي أنا أعالجك بعلاج تبرئين به في أسرع وقت إن شاء الله تعالى وما تحتاجين معه إلى شيء آخر ، فقالت : افعل ، فقال : أشتهي أن مهما أسألك عنه تخبريني به ولا تخفيني ، فقالت : نعم ، وأخذ منها أمانا ، فقال : تعرفيني ما جنسك ، فقالت : علانية ، فقال : العلان في بلادهم نصارى ، فعرفيني أيش كان أكثر أكلك في بلدك ، فقالت : لحم البقر ، فقال : يا ستي ، وما كنت تشربين من النبيذ الذي عندهم؟ فقالت : كذا كان ، فقال : أبشري بالعافية. وراح إلى بيته واشترى عجلا وذبحه وطبخ منه وجاب معه في زبدية منه قطع لحم مصلوق وقد جعلها في لبن وثوم وفوقها رغيف خبز فأحضره بين يديها وقال : كلي ، فمالت نفسها إليه وصارت تجعل اللحم في اللبن والثوم وتأكل حتى شبعت ، ثم بعد ذلك أخرج من كمه برنية صغيرة وقال : يا ستي هذا شراب ينفعك فتناوليه ، فشربته وطلبت النوم وغطيت بفرجية فرو سنجاب فعرقت عرقا كثيرا وأصبحت في عافية ، وصار يجيب لها من ذلك الغذاء والشراب يومين آخرين ، فتكاملت عافيتها ، فأنعمت عليه وأعطته صينية مملوءة حليا ، فقال : أريد مع هذا أن تكتبي لي كتابا إلى السلطان وتعرفيه ما كنت فيه من المرض وأنك تعافيت على يدي ، فوعدته بذلك وكتبت كتابا إلى السلطان تشكر منه وتقول له فيه : إنها كانت قد أشرفت على الموت وإن فلانا عالجني وما وجدت العافية إلا على يديه ، وجميع الأطباء الذين كانوا عندي ما عرفوا مرضي ، وطلبت منه أن يحسن إليه ، فلما قرأ الكتاب استدعاه واحترمه وقال له : هم شاكرون من مداواتك ، فقال : يا مولانا كانت من الهالكين وإنما الله عزوجل جعل عافيتها على يدي لبقية أجل كان لها ، فاستحسن قوله وقال : أيش تريد أعطيك؟ فقال : يا مولانا تطلق لي عشرة فدادين خمسة في قرية صمع وخمسة في قرية عندان ، فقال : نطلقها لك بيعا وشراء حتى تبقى مؤبدة لك. وكتبت له ذلك وخلع عليه ، وعاد إلى