أحسن تدبير وساس جنده أحسن سياسة وتدبير ، وفرغ بال ميمون من كل ما يشغل به بال الأمراء وأقطع الأجناد إقطاعات رضوا بها وانصرفوا شاكرين له ، لم يعرف منذ تولى أمره إلى أن مات ميمون جندي اشتكى أو تألم. وكان وجيها عند ميمون المذكور يحترمه ويعظم شأنه ويتبرك بآرائه ، إلى أن مات ميمون في ليلة صبيحتها ثالث عشر رمضان سنة ٦١٠ فأقر الملك الظاهر غازي بن صلاح الدين خزانته عليه وهو ملازم لبيته متشاغل بالعلم وتصنيف الكتب ، إلى أن احتاج ديوانه إليه فعول في إصلاحه عليه وهو مع ذلك مجتنب غير راض.
ثم ساق ياقوت حكاية جرت له في القطر المصري وفصلا من إنشائه عن المقر الأشرف الملكي الظاهري عند رحيل عسكر الفرنج عن حصن الخوابي. وقال بعد ذلك :
حدثني الصاحب الوزير الأكرم أدام الله تمكينه قال : ركبت يوما سنة ٦١٨ للطلوع إلى القلعة ، فاستقبلني رجل صعلوك فقال : انظر في حالي نظر الله إليك يوم ينظر إليه المتقون ، فقلت له : ما خبرك؟ قال : أنا رجل صعلوك وكان لي دابة أسترزق عليها للعائلة ، فاتهمني الوالي بالجبّول بسرقة ملح فأخذ دابتي ثم طالبني بجباية ، فقلت : خذ الدابة ، فقال : قد أخذتها وأريد جباية أخرى ، فقلت له : أبشر بما يسرك. وطلعت إلى صاحب الأمر يومئذ وهو الأمير الكبير أتابك طغرل الظاهري وقلت : روي عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : ثلاثة أشياء مباحة للناس مشتركون فيها : الكلأ والماء والملح. وقد جرى كيت وكيت ، ولا يليق بمثلك وأنت عامة وقتك جالس على مصلاك مستقبل القبلة والسبحة في يدك أن تكون مثل هذه الأشياء في بلدك ، فقال : اكتب الساعة إلى جميع النواحي برفع الجبايات ومحو اسمها أصلا. وأمر الولاة أن يعملوا بكتاب الله وسنة رسوله ، ومن وجب عليه حد من الحدود الشرعية يقام فيه على الفور ولا يلتمس منه شيء آخر ، ومر الساعة بإراقة كل خمر في المدينة ورفع ضمانها ، واكتب إلى جميع النواحي التي تحت حكمي بمثل ذلك ، وأوعد من يخالف ذلك عقوبتنا في الدنيا عاجلا وعقوبة الخالق في الآخرة آجلا. فخرجت وجلست في الديوان وكتبت بيدي ولم أستعن بأحد من الكتاب في شيء من ذلك ثلاثة عشر كتابا إلى ولاة الأطراف. ثم أنشد :
ولا تكتب بكفّك غير شيء |
|
يسرّك في القيامة أن تراه |
وكان المحصول من ضمان ما أطلق ما مقداره مائتا ألف درهم في السنة ، وأن أضيف