إليه ما يستقبل في السنة الآتية من رخص الكروم وتعطيل ضماناتها وقلة دخلها بهذا السبب ألف ألف درهم أو ما يقاربها.
وحدثني أدام الله علوه قال : حججت في موسم ٦٠٨ وكان والدي في صحبتي ، فصادفت بمكة جماعة من أهل بلدنا ، وكنت بعيد العهد بلقاء أحد منهم ، فرآني رجل فالتحق بي كما جرت العادة ، ثم عاد إلى من في صحبته من بلدنا فأخبرهم بنا فجاءوهم إلى منزلنا فقضوا حقنا بالسلام والسؤال والحرمة ، ثم انصرفوا إلى رحالهم ، فجاء كل واحد منهم بما حضره لم يحتفلوا له ، وكان فيما جاؤونا به ظرف كبير مملوء عسلا وآخر سمنا على جمل وهو وقره ، فألقاه في خيمتنا ، فأمرت الغلمان أن يعملوا منه حيسا فيكثروا على عادة تلك البلاد ، وأكلنا وأكثرنا زيادة على ما جرت به عادتنا ، ثم طفنا بالبيت وعدنا إلى رحالنا ونمت ، فرأيت في النوم كأني في الحرم أطوف وإذا رجل شديد الأدمة مشوه الخلقة فأخذ بيدي وأخرجني من الحرم من باب إبراهيم ، فإذا به قد وقفني على الظرفين بعينهما لا أرتاب بهما ، فقال لي : أتعرف هذين؟ فقلت : نعم ، هذان ظرفان جاءنا بهما رجل على سبيل الهدية أحدهما سمن والآخر عسل ، فقال لي : ليس الأمر كذلك ، ثم حط يده على بطنهما وعصر فخرج من فمهما نار أحسست بلفحها في وجهي ، وجعلت أمسح فمي من شدة حرهما ، وانزعجت من هول ما رأيت وقمت من فراشي خائفا فما استطعت النوم إلى الغداة.
واجتمعت بمهديهما وكان يعرف بابن أبي شجاع ، فقلت له : أخبرني عن هذين الظرفين ما خبرهما؟ فقال : اشتريتهما وجئت بهما ، فقلت : يا هذا ، هل فيهما شبهة؟ فحلف أنهما من خالص ماله ، فأخبرته بالحال فبكى حينئذ ومد يده فأخذ بيدي وعاهدني أن يخرج من عهدته وقال : والله ما أعرف أن في مالي شبهة ، إلا أن لي أختين ما أنصفتهما في تركة أبيهما ، وأنا أعاهد الله أنني أرجع من وجهي هذا وأعطيهما حتى أرضيهما. قال الصاحب أدام الله علوّه : فعلمت أنها لي موعظة ، فعاهدت الله أن لا آكل بعدها من طعام لا أعرف وجهه. فكان لا يأكل لأحد طعاما ، ويقول الناس لا يعرفون بواطن الأمور ويظنونني أقول ذلك كبرا ، ومن أين لي بما يقوم بعذري عندهم.
ثم كنت بعد ذلك في حضرته بمنزله المعمور وقد عاد من القلعة بحلب فقال لي : جرت اليوم ظريفة ، فقلت : هات خبرها أدام الله إمتاعنا بك ، فما زلت تأتي بالظرائف