والطرف ، فقال : حضرت اليوم في مجلس الملك الرحيم أتابك طغرل الظاهري وحضرت المائدة وفيها طعام الملوك ، شواء وشرائح وسنبوسج وحلاوات وغيرها كما جرت العادة ، فتأملته فنفرت نفسي منه ولم تقبله مع كوني قد قارب الظهر ولم أتغد ، فلم أنبسط ولا مددت يدي إليه ، فقال لي : مالك لا تأكل؟ وكان قد عرف عادتي ، فقلت له : إن نفسي لا تقبل هذا الطعام ولا تشتهيه ، فقال : لعلك شبعان ، قلت : لا والله ، إلا أنني أجد في نفسي نفرة منه ، فأشار إلى غلام فدخل داره وجاء بمائدة عليها عدة غضائر من الدجاج ، فلم تقبل نفسي إلا دجاجة واحدة معمولة تحت رمان ، فمددت يدي إليها وتناولت منها ، قال : فرأيت أتابك وهو يتعجب ، فقلت له : ما الخبر؟ فقال : أعلم أنه ليس في هذا الطعام شيء أعلم من أين وجهه ، وهو من عمل منزلي غير هذه الدجاجة ، والباقي فجاءنا من جهة ما نفسي بها طيبة ، وتشاركت أنا وهو في تلك الدجاجة مع بغضي لحب الرمان. وكان أتابك لا يأكل إلا من مال الجوالي فقط ، فجعلت أعجب من ذلك ، فقال : أعلم أنني لا أحسب هذا كرامة لي ، ولكني أعده نعمة من الله في حقي ، فإن امتناعي لم يكن عن شيء كرهته ، ولا ريب اطلعت عليه ، ولكن كان انقباضا ونفرة لا أعرف سببها ولا الإبانة عن معناها.
ثم ختم ياقوت ترجمته برسالة أرسلها المترجم إلى صديق له تتعلق بشراء كتاب يعرف بالتذكرة لابن مسلمة في اثني عشر مجلدا لم نجد في ذكرها عظيم فائدة ، غير أنها تنبىء عن شعف صاحب الترجمة بشراء الكتب النفيسة واقتنائها كما سنتلوه عليك.
وقد تأخرت وفاة صاحب الترجمة عن وفاة المترجم له وهو ياقوت عشرين سنة ، لأن وفاة ياقوت كانت سنة ٦٢٦ ووفاة المترجم كانت سنة ٦٤٦ كما سيأتي.
وترجمة ابن شاكر في فوات الوفيات فقال : هو علي بن يوسف بن إبراهيم بن عبد الواحد بن موسى وزير حلب القاضي الأكرم جمال الدين أبو الحسن القفطي أحد الكتاب المشهورين. وكان أبوه القاضي الأشرف كاتبا أيضا. إلى أن قال :
وكان صدرا محتشما كامل السؤدد ، جمع من الكتب مالا يوصف وقصد بها من الآفاق ، وكان لا يحب من الدنيا سواها ، ولم يكن له دار ولا زوجة ، وأوصى بكتبه للناصر صاحب حلب وكانت تساوي خمسين ألف دينار ، وله حكايات غريبة في غرامه بالكتب.