بهذه المدرسة من الأبواب المنجورة على الخلاوي من أحسن الصنايع المطعم والحفر والخيط والمكوك وغير ذلك مما يفتخر به الصناع ، وقد ذهب غالبها من عدم التعهد. وكان بالمغارة المذكورة في هذه المدرسة من الرخام الملون والفصوص الملونة ما لا مزيد عليه ليرخم به الإيوان وحائطه والقبلية وحائطها ، فلما توفي واقفها رحمهالله تعالى أخذه أقاربه واقتسموه وجعلوه في بيوتهم. وقد وقف الواقف رحمهالله تعالى على هذه المدرسة الكتب النفيسة من كل فن من حديث وتفسير وفقه ونحو وغير ذلك ، فمن كتبها مسند الإمام الشافعي والأم وجميع كتب الإمام الشافعي وكتب الأصحاب كتفسير الثعلبي وغيره من التفاسير ، وكالنهاية والحاوي الكبير والإبانة والتتمة والذخائر والشامل ، ومن الحديث الكتب الستة. وكان بها جميع كتب المذاهب ولم يفته شيء سوى كتب الرافعي والنووي لأنهما لم تصل كتبهما إذ ذاك إلى حلب.
وكان بها أربعون نسخة من التنبيه (١) وجميع كتب الغزالي ، وكانت أسماء الكتب مثبتة عند أقاربه في درج كبير فذهب في محنة تيمر.
وبلغني أنه شرط واقفها أن يشتري لأبواب المدرسة الحصر من عبدان والبسط من أقصراي ، وأقاربه يقولون إن من شرطه أن لا يتعرض على الناظر في أمر المدرسة وإن اعترض معترض يغلق بابها ويعود وقفها وقفا على أهليه (٢). وقد وقف لها الأوقاف الجليلة كالقرشية في طريق بالس وغير ذلك ، ولها مؤذن يؤذن على بابها. ومن جملة الموقوف على المؤذنين حصة بقرية حربيل. ووقف غير واقفها عليها وهو الطرسوسي حصة بقرية ديد حين آلت إليها. ولها باب من جهة القبلة يفتح إلى بيوت الخطيب هاشم.
وقد درس فيها ولده محيي الدين محمد واسمه مكتوب على الكتب الموقوفة عليها ، وأعاد له فيها عشرة أنفس لم يكن في عصرهم في سائر البلاد مثلهم إلى أن قتل شهيدا بأيدي التتر بعد استيلائهم على حلب. وأما الواقف فإنه توفي بعد استيلاء التتر على حلب في رابع عشري صفر سنة ثمان وخمسين وستمائة. ثم قيض الله لهذه المدرسة من درس بها تبرعا قبل فتنة تيمر وبعدها والدي الحافظ برهان الدين ، ورحل إليه الحفاظ من البلاد للأخذ
__________________
(١) هو للإمام أبي إسحق الشيرازي المتوفى سنة ٤٧٦ في فروع الفقه الشافعي. انظر الكشف.
(٢) هناك كتب أبو ذر على الهامش ما نصه : وقد رأيت ذلك في كتاب وقفها ا ه.