ومنهم ولده الشيخ أبو الحسن علي بن عبد الله بن محمد بن أبي جرادة صدر زمانه وفرد أوانه ، ذو فنون من العلوم ، وخطه مليح جدا على غاية من الرطوبة والحلاوة والصحة ، وله شعر يكاد يختلط بالقلب ويسلب اللب لطافة ورقة ، تصدر بحلب لإفادة العلوم الدينية والأدبية متفردا بذلك كله ، ورتب غريب الحديث لأبي عبيد على حروف المعجم رأيته بخطه ، وشرع في شرح أبياته شروعا لم يقصر فيه ظفرت منه بكراريس من مسوداته لأنه لم يتم. سمع بحلب والده أبا المجد وأبا الفتح عبد الله بن إسماعيل الحلّي وأبا الفتيان محمد بن سلطان بن حيّوس الشاعر وغيرهم ، ورحل عن حلب قاصدا للحج في ثالث شعبان سنة ٥١٦ ، ووصل إلى بغداد وسمع بها أبا محمد عبد الله بن علي المقرئ وغيره. ولم يتيسر للناس في هذا العام حج فعاد من بغداد إلى حلب ، ثم سافر إلى الموصل بعد ذلك في سنة ٣١ وسمع بها ، وأدركه تاج الإسلام أبو سعد عبد الكريم بن محمد السمعاني فسمع منه بحلب هو وجماعة وافرة. وذكره السمعاني في المذيل لتاريخ بغداد. قال المؤلف : وقد ذكرته في هذا الكتاب في موضعه بما ذكره السمعاني به.
حدثني كمال الدين قال : سمعت والدي رحمهالله يقول : كتب الشيخ أبو الحسن بن أبي جرادة بخطه ثلاث خزائن من الكتب لنفسه وخزانة لابنه أبي البركات وخزانة لابنه أبي عبد الله. ومن شعره (أنبأنا به تاج الدين زيد بن الحسن الكندي) من قصيدة يصف فيها طول الليل :
فؤاد بالأحبة مستطار |
|
وقلب لا يقرّ له قرار |
وما أنفك من هجر وصدّ |
|
وعتب لا يقوم له اعتذار |
وعيني دمعها جم غزير |
|
ولكن نومها نزر غرار |
كأن جفونها عند التلاقي |
|
تلاقيها الأسنة والشفار |
وهذا حالها وهم حلول |
|
فكيف بها إذا خلت الديار |
أبيت الليل مرتفقا كئيبا |
|
لهمّ في الضلوع له أوار |
كأن كواكب الفلك اعتراها |
|
فتور أو تخوّنها المدار |
منها :
فيا لك ليلة طالت ودامت |
|
فليس لصبحها عنها انسفار |