معروفا بهما ، فلما رأيت امتناع الحجر عليّ علمت أنه شفقة من الله على الطفل أو عليّ ، فزجرت نفسي ورجعت ولهان بعد أن أعدت قبره إلى حاله التي كان عليها ، فرأيت بعد ذلك في النوم ذلك الطفل وهو يقول : يا أبتاه عرّف والدتي أني أريد أجيء إليكم ، فانتبهت مرعوبا وعرفت والدته ذلك ، فبكينا وترحمنا واسترجعنا. ثم إني رأيت في النوم كأن نورا خرج من ذكري حتى أشرف على جميع دورنا ومحلتنا وعلا علوا كبيرا ، فانتبهت وأوّلت ذلك فقيل لي : أبشر بمولود يعلو قدره ويعظم أمره ويشيع بين الأنام ذكره بمقدار ما رأيت من النور ، فابتهلت إلى الله عزوجل ودعوته وشكرته وقويت نفسي بعد الإياس لأني كنت قد جاوزت الأربعين ، فلم تمض إلا هنيهة حتى اشتملت والدة ولدي هذا (وأشار إلى كمال الدين أيده الله) على حمل وجاءت به في التاريخ المقدم ذكره ، فلم يكن بقلبي بحلاوة ذلك الأول لأنه كان نحيفا جدا ، فجعل كلما كبر نبل جسما وقدرا ، ودعوت له عدة دعوات وسألت الله له عدة سؤالات ، ورأيت فيه والحمد لله أكثرها. ولقد قال له رجل يوما بحضرتي كما يقول الناس : أراكه الله قاضيا كما كان آباؤه ، فقال : ما أريد له ذلك ، ولكني أشتهيه أن يكون مدرسا ، فبلغه الله ذلك بعد موته ، وسمع الحديث على جماعة من أهل حلب والواردين إليها ، وأكثر السماع على الشيخ الشريف افتخار الدين عبد المطلب الهاشمي.
ورحل به أبوه إلى البيت المقدس مرتين في سنة ٦٠٣ وفي سنة ٦٠٨ ولقي بها مشايخ وبدمشق أيضا ، وقرأ على تاج الدين أبي اليمن في النوبتين كثيرا من مسموعاته.
حدثني كمال الدين أدام الله معاليه قال : قال لي والدي : احفظ اللمع حتى أعطيك كذا وكذا ، فحفظته وقرأته على شيخ حلب يومئذ وهو الضياء بن دهن الحصا. ثم قال لي : احفظ القدوري حتى أهب لك كذا وكذا من الدراهم كثيرة أيضا ، فحفظته في مدة يسيرة وأنا في خلال ذلك أجود ، وكان والدي رحمهالله يحرضني على ذلك ويتولى صقل الكاغد لي بنفسه ، فإني لأذكر مرة وقد خرجنا إلى ضيعة لنا فأمرني بالتجويد ، قلت : ليس هاهنا كاغد جيد ، فأخذ بنفسه كاغدا كان معنا رديا وتناول شربة أسفيدز كانت معنا فجعل يصقل بها الكاغد بيده ويقول لي : اكتب ، ولم يكن خطه بالجيد ، وإنما كان يعرف أصول الخط ، فكان يقول لي : هذا جيد وهذا رديء. وكان عنده خط ابن البواب فكان يريني أصوله إلى أن أتقنت منه ما أردت. ولم أكتب على أحد مشهور ،