حلب» الذي بسطنا الكلام عليه في المقدمة قضت علينا أن نستقصي أخباره ونذكر جميع ما نقف عليه من تراجمه ، وهي وإن طالت وتكرر بعضها ولكنك تجد في كل واحدة منها من الزيادات والفوائد ما لا تجده في الأخرى ، وجدير أن يبسط بأمثال هذا الرجل المقال وإن طال. على أنك إذا تأملت قليلا فيما ترجمه به ياقوت وهو في هذا السن لتيقنت أنه لو تأخرت وفاته عنه لأفرد لترجمته مجلدا على حدة ، ولحكمت على من ترجمه بعده بأنه قد قصر في ترجمته غاية التقصير ولم يوفه بعض ما يستحقه. والعجب كل العجب كيف أهمل ابن خلكان في تاريخه وفيات الأعيان ذكره وذكر ابن أبي طي بن حميدة مع أنهما من معاصريه ويعرفهما حق المعرفة ، لأنه بقي في حلب لتلقي العلوم فيها من سنة ٦٢٦ إلى سنة ٦٣٥ كما تقدم في ترجمة أبي البقا يعيش وترجمة القاضي بهاء الدين بن شداد. والأغرب من ذلك أنه نقل عنهما في غير موضع من تاريخه هذا ، ولا ندري ما هو العذر الذي نلتمسه لابن خلكان على ذلك ، ولا ريب أنه أهمل ترجمتهما لشيء كان في نفسه مما لا يخلو عنه المتعاصرون.
وهنا نذكر لك ما ذكره في كشف الظنون في الكلام على وفيات الأعيان لابن خلكان من الانتقاد عليه حيث قال : وقد شنع عليه بعض المؤرخين من جهة اختصاره تراجم كبار العلماء في أسطر يسيرة وتطويله في تراجم الشعراء والأدباء في أوراق وصحائف ، وربما يكون من طول ترجمته مطعونا بانحلال العقيدة وهو يثني عليه ويذكر أشعاره وقصائده ، ولعل العذر فيه ما أشار إليه من أن اشتهار ذلك العالم كالشمس لا يخفي وعدم اشتهار ذلك الشاعر ا ه. أقول : وهذا العذر ليس بشيء إذا تأملت أدنى تأمل.
ولنعد إلى ذكر ما وعدنا به فنقول :
قال في فوات الوفيات : (عمر بن أحمد بن هبة الله بن أبي جرادة) الصاحب العلامة رئيس الشام كمال الدين العقيلي الحلبي المعروف بابن العديم. ولد سنة ثمان وثمانين وخمسماية وتوفي سنة ستين وستماية ، وسمع من أبيه ومن عمه أبي غانم محمد وابن طبرزد والافتخار (أي افتخار الدين عبد المطلب الهاشمي المتوفى سنة ٦١٦) والكندي والخرستاني ، وسمع جماعة كثيرة بدمشق وحلب والقدس والحجاز والعراق. وكان محدثا فاضلا حافظا مؤرخا صادقا فقيها مفتيا منشيا بليغا كاتبا محمودا ، درس وأفتى وصنف وترسل عن الملوك. وكان رأسا في الخط لا سيما النسخ والحواشي ، أطنب الحافظ شرف الدين (عبد المؤمن