لكنيسة هيلانة التي هي الحلوية ، وبينها ساباط معقود البناء تحت الأرض يخرج منها من الكنيسة إلى المذبح ، وكان النصارى يعظمون هذا المذبح ويقصدونه من سائر البلاد ، وكانت حمّام موغان حمّاما للهيكل ، وكان حوله قريبا من مائتي قلاية تنظر إليه ، وكان في وسطه كرسي ارتفاعه إحدى عشرة ذراعا من الرخام الملكي الأبيض. وذكر ابن شرارة النصراني في تاريخه أن عيسى عليهالسلام جلس عليه ، وقيل جلس موضعه لما دخل حلب ، وذكروا أن جماعة من الحواريين دخلوا هذا الهيكل ، وكان في ابتداء الزمان معبدا لعبّاد النار ، ثم صار إلى اليهود فكانوا يزورونه ، ثم صار إلى النصارى ، ثم صار إلى المسلمين. وذكروا أيضا أنه كان بهذا الهيكل قس يقال له برسوما تعظمه النصارى وتحمل إليه الصدقات من سائر الأقاليم ، يذكر في سبب تعظيمهم له أنه أصاب أهل حلب وباء في أيام الروم فلم يسلم منهم غيره.
قال : وكانت هذه المدرسة تعرف قديما بمسجد السرّاجين ، ولما ملك نور الدين حلب وقفه مدرسة وجدد فيه مساكن يأوي إليه الفقهاء وإيوانا ، وكان مبدأ عمارته ، قال ابن شداد ، في سنة أربع وأربعين وخمسماية ، ومكتوب على بابها في سنة ثلاث وأربعين ، ومتولي عمارتها القاضي فخر الدين أبو منصور محمد بن عبد الصمد بن الطرسوسي الحلبي ، وكان ذا همة ومروءة ظاهرة له أمر نافذ في تصرفه في أعمال حلب وأثر صالح في الوقوف ، ثم انعزل عن ذلك أجل انعزال ومات في وسط سنة تسع وأربعين وخمسماية. والمحراب الذي في إيوانها منجور فرد في بابه جدد في أيام السلطان صلاح الدين يوسف بن محمد في سنة ثلاث وأربعين وستماية ، وكان بها خزانة كتب فذهبت.
وكان على قبتها طائر من نحاس يدور مع الشمس فذهب. ورأيت في كلام داود بن علي أحد الفقهاء بها ما لفظه : فاطمة زوجة الكاساني هي التي سنت الفطر في رمضان للفقهاء بالحلاوية ، كان في يديها سواران فأخرجتهما وباعتهما وعملت بثمنهما الفطور كل ليلة فاستمر ذلك إلى اليوم. قلت : بل انقطع ذلك بالكلية. (ثم قال) : ولما فرغ من بنائها استدعى لها من دمشق الفقيه الإمام برهان الدين أبا الحسن علي بن الحسن بن محمد ابن أبي جعفر ، وقيل جعفر البلخي فولاه تدريسها. واستدعى الفقيه برهان الدين أبا العباس أحمد بن علي الأصولي السلفي من دمشق ليجعله نائبا عن برهان الدين فامتنع من القدوم ، فسير إليه برهان الدين كتابا ثانيا يستدعيه فيه ويشدد عليه في الطلب ، فأجابه عن كتابه