النساء منها وصار يتردد إليها فأقام شعارها وعمر ما دثر منها وفتح خلاويها بعد أن كانت مردومة بالتراب وبيّض إيوانها وفتح بركتها وأجرى إليها الماء من الحوض الذي خلف دار العدل ، واتخذ له فيها خلوة وكان يتعبد بها ، وعمر مرتفقها وحفره حتى بلغ الماء ، وكان ينزل إليه بنفسه وينزح التراب منه ، وعمره عمارة متقنة ، ولما حفروا المرتفق وجدوا فيه حجرا أسود على قبر وعليه صلبان ، وكان أصل هذا المرتفق ناووسا للكنيسة فتعاونوا على هذا الحجر وربطوه بالحبال وجبذوه إلى خارج هذا المرتفق ، وبنى إلى جانب هذا المرتفق مستحما وأحضر إليه جرنا أسود من خارج وقفه بعض أهل الخير على هذا المكان ، والجرن الأبيض الذي على جانب البركة نقله من الحمّام الخراب التي خلف دار العدل بأمر مالكتها بنت المؤيد ، وكان قد أخرجه بعض الناس من الحمّام إلى مسجد هناك مهجور ليأخذه إلى منزله ، فسمع الشيخ بذلك فأرسل إلى القاهرة واستأذن بنت المؤيد في نقله إلى هذه المدرسة فأذنت له فيه فنقله ، وفتح في هذه المدرسة بعض الناس صهريجا وأنفق عليه جملة وأقيم شعار هذه المدرسة بالذكر والصلوات الخمس والمؤذنين والحصر والبسط والمصابيح وغير ذلك.
ومن جملة ما نقم الأعداء على الشيخ علاء الدين واستفتوا عليه أنه كان يصلي في هذه المدرسة وهو شافعي المذهب ، فهلا كانوا استفتوا على النساء الساكنات (١) بها وعلى من عطل معاهدها. ولقد رأيت بعيني النساء سافرات بها فلا حول ولا قوة إلا بالله ، وسيأتي ما اتفق للشيخ في خانقاه الملكي.
ولما ألزم قصروه المدرسين بالتدريس ألزم شيخنا ابن الرسام الحنبلي بالتدريس فلم يجد له مكانا ، فدرس بها ، وهذه المدرسة من جملة وقفها حوانيت بسوق الحرير وآل تدريسها إلى المالكية ا ه.
وقال ابن الشحنة في الكلام عليها : لم يزل يتولاها المدرسون إلى أن وصلت إلى يدي ونزلت عليها لولديّ ، وهي الآن بيدهما. وقال بعده : إنها الآن معطلة ا ه.
أقول : هذه المدرسة كانت عامرة في أواخر القرن العاشر كما ذكره رضي الدين الحنبلي في تاريخه ، وقدمنا ذلك في الجزء الثالث في صحيفة (٢٠٤) ، ثم اتخذت دورا ولا أدري
__________________
(١) في الأصل الساكنين.