ابن فهد الحلبي ثم الدمشقي شيخ صناعة الإنشاء الذي لم يكن بعد القاضي الفاضل مثله في صنعة الإنشاء ، وله خصائل ليست للفاضل من كثرة النظم والقصائد المطولة الحسنة البليغة. ولد سنة أربع وأربعين وستماية بحلب ، وسمع الحديث وعني باللغة والأدب والشعر. وكان كثير الفضائل بارعا في علم الإنشاء نظما ونثرا ، وله في ذلك كتب ومصنفات حسنة فائقة. وقد مكث في ديوان الإنشاء نحوا من خمسين سنة ، ثم عمل كتابة السر بدمشق نحوا من ثماني سنين ، إلى أن توفي ليلة السبت ثاني عشرين شعبان في منزله قريب من باب الناطفانيين وهي دار القاضي الفاضل وصلي عليه بالجامع ودفن بتربة له أنشأها بالقرب من اليعمورية وقد جاوز الثمانين سنة ا ه.
قال أبو الفداء في تاريخه في حوادث سنة ست عشرة وسبعماية لما أنعم عليه بمدينة المعرة : ومدحني شهاب الدين محمود كاتب الإنشاء الحلبي بقصيدة ذكر فيها صدقات السلطان وعود المعرة أضربنا عن غالبها خوف التطويل ، فمنها :
بك تزهى مواكب وأسرّه |
|
ولك الشمس والقواضب أسره |
وبأيامك التي هي روض |
|
للأماني تجنى ثمار المسرّه |
بك كل الدنيا تهنّى ويضحي |
|
قدرها عاليا وكيف المعرّه |
وترجمه ابن شاكر في فوات الوفيات وقال : إن مولده كان بدمشق ، وهو سهو منه ، فإن جمع المؤرخين والأدباء نعتوه بالحلبي ومنهم أبو الفدا كما قدمنا ، وعبارة ابن كثير صريحة بأن مولده بحلب. وأورد له ابن شاكر ثمة عدة قصائد ، قال : ومن نظمه :
رأيت في بستان خل لنا |
|
بدر دجى يغرس أشجارا |
فقلت إن أنجب هذا الذى |
|
يغرسه أثمر أقمارا |
ومنه :
رأتني وقد نال مني النحول |
|
وفاضت دموعي على الخدّ فيضا |
فقالت بعيني هذا السقام |
|
فقلت صدقت وبالخصر أيضا |
ومنه :
ورأيته في الماء يسبح مرة |
|
والشعر قد رفت عليه ظلاله |