كتبه على وجه الانتقاد ، ووجدوها خالية من الزيغ والفساد ، فحين علموا سلامتها من العيب والشين ، سلكوا فيها معه مسلك الكذب والمين ، ورموه بالإلحاد والتعطيل ، والعدول عن سواء السبيل. فمنهم من وضع على لسانه أقوال الملحدة ، ومنهم من حمل كلامه على غير المعنى الذي قصده ، فجعلوا محاسنه عيوبا وحسناته ذنوبا ، وعقله حمقا وزهده فسقا ، ورشقوه بأليم السهام وأخرجوه عن الدين والإسلام ، وحرفوا كلمه عن مواضعه وأوقعوه في غير مواقعه.
ولو نظر الطاعن كلامه بعين الرضا وأغمد سيف الحسد من عليه انتضى ، لأوسع له صدرا وشرح ، واستحسن ما ذم ومدح ، لكن جرى الزمن على عاداته في مطالبته أهل الفضل بتراته وقصدهم بإساءاته فسلط عليهم أبناءه وجعلهم أعداءه ، فقصدوه بالطعن والإساءة واللبيب مقصود والأديب عن بلوغ الغرض مصدود ، وكل ذي نعمة محسود ، ومن سلك في الفصاحة مسلكه وأدرك من أنواع العلوم ما أدركه ، وقصد في كتبه الغريب وأودعها كل معنى غريب ، كان للطاعن سبيل إلى عكس معانيها وقلبها ، وتحريفها عن وجوهها المقصودة وسلبها ، ألا ترى إلى كتاب الله العزيز المحتوي على المنع والتجويز ، الذي لا يقبل التبديل في شيء من صحفه ، ولا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، كيف أحال جماعة من أرباب باطل الأقاويل تأويله على غير وجوه التأويل ، فصرفوا تأويله إلى ما أرادوا ، فما أحسنوا في ذلك ولا أجادوا ، حتى إن جماعة من الكفار وأرباب الزلل والعثار ، تمسكوا منه بآيات جعلوها دليلا على ما ذهبوا إليه من الضلالات ، فما ظنك بكلام رجل من البشر ليس بمعصوم إن زل أو عثر ، وقد تعمق في فصيح الكلام وأتى من اللغات بما لا يتيسر لغيره ولا يرام ، وأودعها في كلامه أحسن إيداع وأبرزها في النظم البديع والأسجاع ، إذا قصده بعض الحساد ، فحمل كلامه على غير المراد.
وقد وضع أبو العلاء كتابا وسمه ب «زجر النابح» أبطل فيه طعن المزري عليه والقادح ، وبين فيه عذره الصحيح وإيمانه الصريح ووجه كلامه الفصيح ، ثم أتبع ذلك بكتاب وسمه ب «نجر الزجر» بين فيه مواضع طعنوا بها عليه بيان الفجر ، فلم يمنعهم زجره ولا اتضح لهم عذره ، بل تحقق عندهم كفره واجترؤوا على ذلك وداموا ، وعنفوا من انتصر له ولاموا ، وقعدوا في أمره وقاموا ، فلم يرعوا له حرمة ، ولا أكرموا علمه ، ولا راقبوا إلّا ولا ذمة ، حتى حكوا كفره بالأسانيد وشددوا في ذلك غاية التشديد ، وكفّره من