قصّي أثره واطلبيه ، هل تسمعين له ذكرا ، أحيّ ابني أم أكلته الدّوابّ ، ونسيت ما كان الله وعدها فيه ، فبصرت به أخته عن جنب ـ والجنب : أن يسمو بصر الإنسان إلى الشّيء البعيد وهو إلى ناحية لا يشعر به ـ فقالت من الفرح حين أعياهم الضّئورات : أنا أدلّكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون. فأخذوها ، فقالوا : ما يدريك ما نصحهم؟ هل تعرفونه؟ حتّى شكّوا فى ذلك ـ وذلك من الفتون يا بن جبير ـ فقالت : نصيحتهم له ، وشفقتهم عليه رغبتهم في صهر الملك ورجاء منفعة الملك. فأرسلوها فانطلقت إلى أمّها فأخبرتها الخبر ، فجاءت أمّه ، فلمّا وضعته في حجرها ، ثوى إلى ثديها ، فمصّه حتّى امتلأ جنباه ريّا ، وانطلق البشراء إلى امرأة فرعون يبشّرونها أن قد وجدنا لابنك ظئرا ، فأرسلت إليها فأتت بها وبه ، فلمّا رأت ما يصنع ، قالت : امكثي ترضعي ابني هذا ، فإنّي لم أحبّ شيئا حبّه قطّ ، قالت أمّ موسى : لا أستطيع أن أدع بيتي وولدي فيضيع ، فإن طابت نفسك أن تعطينيه فأذهب به إلى بيتي فيكون معى لا آلوه خيرا فعلت ، فإنّي غير تاركة بيتي وولدى ، وذكرت أمّ موسى ما كان الله وعدها ، فتعاسرت على امرأة فرعون وأيقنت أنّ الله منجز موعوده. فرجعت إلى بيتها من يومها ، فأنبته الله نباتا حسنا ، وحفظ لما قد قضى فيه ، فلم يزل بنو إسرائيل وهم في ناحية القرية ممتنعين
__________________
قوله : «ثوى إلى ثديها» أي أقام واستقر.