إنّ لكما اليوم لشأنا ، فأخبرتاه بما صنع موسى ، فأمر إحداهما أن تدعوه ، فأتت موسى فدعته ، فلمّا كلّمه ، قال : لا تخف نجوت من القوم الظّالمين ، ليس لفرعون ولا لقومه علينا سلطان ، ولسنا في مملكته ، فقالت إحداهما : يا أبت استأجره إنّ خير من استأجرت القويّ الأمين ، فاحتملته الغيرة على أن قال لها : ما يدريك ما قوّته وما أمانته؟ قالت : أمّا قوّته فما رأيت منه في الدّلو حين سقى لنا ، لم أر رجلا قطّ أقوى في ذلك السّقي منه ، وأمّا الأمانة ، فإنّه نظر إليّ حين أقبلت إليه وشخصت له ، فلمّا علم أنّي امرأة صوّب رأسه فلم يرفعه حتّى بلّغته رسالتك ، ثمّ قال لي : / امشي خلفي ، وانعتي لي الطّريق ، فلم يفعل هذا الأمر إلّا وهو أمين. فسرّي عن أبيها وصدّقها ، وظنّ به الّذي قالت ، فقال له : هل لك (أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ وَما أُرِيدُ أَنْ أَشُقَ
__________________
قوله : «فاستنكر أبوهما سرعة صدورهما» استنكر : عده أمرا منكرا أي غريبا غير مألوف.
قوله : «صدورهما» الصدور الرجوع من المكان أو إلى المكان.
قوله : «حفّلا» جمع حافل وهو الممتلئ من كل شيء.
قوله : «بطانا» أي ممتلئة البطون.
قوله : «صوب رأسه» أي نكس رأسه وخفضها.
قوله : «فسرّى عنه» تجلّى همه وزال عنه.
قوله : «ثمانى حجج» حجج جمع حجّة وهي السنة.