فلمّا تراءى الجمعان تقاربا ، قال قوم موسى : إنّا لمدركون ، افعل ما أمرك به ربّك فإنّه لم يكذب / ولم تكذب ، قال : وعدني ربّي إذا أتيت البحر انفرق اثنتا عشرة فرقة ، حتّى أجاوزه ، ثمّ ذكر بعد ذلك العصا ، فضرب البحر بعصاه حين دنا أوائل جند فرعون من أواخر جند موسى ، فانفرق البحر كما أمره ربّه ، وكما وعد موسى ، فلمّا أن جاز موسى وأصحابه كلّهم البحر ، ودخل فرعون وأصحابه ، التقى عليهم البحر كما أمر ، فلمّا جاوز موسى البحر قال أصحابه : إنّا نخاف ألّا يكون فرعون غرق ولا نؤمن بهلاكه ، فدعا ربّه فأخرجه له ببدنه حتّى استيقنوا هلاكه ، ثمّ مرّوا بعد ذلك (عَلى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلى أَصْنامٍ لَهُمْ قالُوا يا مُوسَى اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ إِنَّ هؤُلاءِ مُتَبَّرٌ ما هُمْ فِيهِ وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) قد رأيتم من العبر ، وسمعتم ما يكفيكم. ومضى فأنزلهم موسى منزلا وقال لهم : أطيعوا هارون فإنّي قد استخلفته عليكم ، فإنّي ذاهب إلى ربّي ، وأجّلهم ثلاثين (١) يوما أن يرجع إليهم فيها ، فلمّا أتى ربّه [أراد](٢) أن يكلّمه في ثلاثين يوما ، وقد صامهنّ : ليلهنّ ونهارهنّ ، وكره أن يكلّم ربّه وريح فيه ريح فم الصّائم ، فتناول موسى من نبات الأرض شيئا فمضغه ، فقال له ربّه حين أتاه : لم
__________________
(١) في الأصل «ثلاثون».
(٢) ما بين المعقوفتين ليست في الأصل ، وهي في الروايات الأخرى.