ومع انتفاء المصلحة يقبح كلّ منهما لأنّ اخفاء المصالح والمفاسد على المكلّف ـ سواء كان بالسكوت عن البيان رأسا ، أو ببيان العدم ـ قبيح ، اذا لم تكن مصلحة تقتضيه ، ومعها لا قبح فيه بوجه مطلقا.
كما قال (غاية الأمر) ثبوت الفرق بينهما من حيث (أنّ الأوّل) أي في البراءة كان (من قبيل عدم البيان ، والثاني) أي في العمومات ، يكون (من قبيل بيان العدم ، ولا قبح فيه) أي في الثاني (ـ بعد فرض المصلحة ـ مع أنّ بيان العدم قد يدّعى وجوده في الكلّ) أي في جميع مواقع التخصيصات والتقييدات الثابتة كما يستفاد (بمثل قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم في خطبة الغدير في حجّة الوداع : معاشر الناس ما من شيء يقرّبكم الى الجنّة ويباعدكم عن النّار ألّا وقد أمرتكم به ، وما من شيء يقرّبكم الى النّار ، ويباعدكم عن الجنّة ألّا وقد نهيتكم عنه) (١) فما يتراءى من الخطبة المزبورة أنّه لم يبق شيء من التكاليف لم يأمر به النبيّ (ص) فالمخصّصات والمقيّدات وغيرها من التكاليف التي بيّنها الأئمة عليهمالسلام كانت مسبوقة ببيان العدم ، وقد تبيّن جميع الواجبات والمحرّمات لعامّة الناس ، فكلّ ما لم يكن بواجب أو محرّم عند الناس ليس بواجب ولا محرّم عند الله تعالى وعند الرّسول (ص) ، ولعلّ مقصوده (ص) بيان جميع الاحكام للوصي (ع) ، وبعد نصبه علما وهاديا للأمة ومرجعا لهم في أمور الدّين والدنيا جميعا ، وتكليفهم بالرجوع اليه (ع) في جميع الحوادث والوقائع ، فكلّما فات عليهم من المنافع ووصل اليهم من المضار ، فأنّما حدث من قبل أنفسهم من جهة عدم رجوعهم اليه (ع).
وبالجملة بيان الاحكام للوصي ونصبه خليفة ووصيا وإرجاع الناس اليه ، بمنزلة بيان جميع الأحكام لهم ، فلا غرو في نسبته (ص) اليه (ع) بيان جميع الأحكام لهم لكن لا بالمباشرة بل بالتسبيب (بل يجوز أن يكون مضمون العموم
__________________
(١) الكافي ج ـ ٢ (ص ـ ٧٤) ط ـ الآخوندي.