وليس ذلك ألّا لأجل أنّ الشارع جعل احكامهم في مرحلة الظاهر قبل بيان تلك التكاليف بمقتضى أصالة البراءة العقليّة وهو التخيير والاباحة لأجل مصلحة من التسهيل عليهم أو غيره من المصالح ، إذ : مع عدم فرض المصلحة لا يصحّ ايقاع المكلّف على خلاف الواقع مطلقا ، ومعها لا فرق بين الموارد قطعا.
(ودعوى الفرق بين اخفاء التكليف الفعلي ، وابقاء المكلّف على ما كان عليه من الفعل والترك بمقتضى البراءة العقليّة) ليس ترخيصا لترك الواجب الواقعي ، وفعل الحرام الواقعي ، لأنّ عدم بيان الشارع للأحكام الواقعيّة لا يستلزم قبيحا أصلا ، لفرض إمكان الاحتياط في موارد أصالة البراءة بعدم شرب التتن مثلا ، أن شكّ في حليّته وحرمته ، فثبت الفرق بين هذا أي المقيس عليه والمقيس أعني (وبين انشاء الرخصة) بالعمومات المرخّصة (في فعل الحرام وترك الواجب) لأنّ مقتضى العموم هو الواقع مع أنّ الواقع خلافه ، فالشارع أوقعه في خلاف الواقع ، إذ المفروض تكليفه المكلّف ظاهرا العمل بالعموم ، مع كون مراده الخاص ، فانّ تفويت الواقع حينئذ مستند الى الشارع فيكون قبيحا.
ولكن هذه الدعوى بالفرق بين المقامين (ممنوعة) بانّ مفاد العام ايضا ليس قطعيا حتّى لا يمكن معه الاحتياط ، بل احتمال مخالفته للواقع قائم معه فيكون فوته على المكلّف مستندا إلى اختياره.
وغاية ما يترتّب على تجويز الشارع العمل بمقتضى العموم ، أنّما هو عدم العقاب على مخالفته التكاليف الواقعيّة المسبّبة من العمل بمقتضى العموم.
ومن المعلوم أنّه لا قبح في عدم العقاب بل يقبح ثبوته مع تجويزه العمل بالعام المؤدّي الى المخالفة لقبح ثبوته في المقيس عليه أيضا.
والحاصل : أنّ كلّ واحد من اخفاء التكليف الفعلي وانشاء الرخصة مستند الى وجود المصلحة ، وبعد وجودها لا قبح في بيانه للعدم في الثاني ، كعدم قبح سكوته عن البيان في الأوّل.