قبيل دوران الامر بين الاصل والدّليل فكما لا يبقى للأصل موقع بعد ورود الدليل ، كذلك لا يبقى للمطلق ظهور في الاطلاق بعد ورود ما يقيّده ، لأنّ العمل بالاطلاق من باب عدم البيان ، وعموم العام بيان له بلا أشكال.
فلو دار الأمر مثلا بين التصرّف في قوله : أعتق رقبة ، بالتقييد بالمؤمنة ، وبين التصرّف في : أعتق رقبة مؤمنة ، بحمل الأمر على الندب فالأظهر تقديم
__________________
ـ تتمة الهامش من الصفحة ٢٣٨
الدالّ والمدلول ، لا من قبيل استعمال اللفظ المطلق في المعنى المقيد فعلى هذا يمكن العمل بالمطلق والمقيد معا من دون اخراج احدهما عن حقيقته بان يعمل بالمقيّد ويبقى المطلق على اطلاقه ، فلا يجب ارتكاب مجاز اذ لا شك أن مدلول : رقبة ، في قولنا : رقبة مؤمنة ، هو المطلق ، والّا لزم حصول المقيّد بدون المطلق ، مع أنّه لا يصلح لأيّ رقبة كانت ، فظهر أنّ مقتضى المطلق ليس ذلك ، وألّا لم يتخلف عنه ، وممّا لو صحّ كونه موضوعا لنفس الماهية من دون دخول شيء من الاطلاق والتقييد فيه أنّه يصحّ استعماله في الخطاب الى جماعة مختلفة في المحكوم به ، من دون تجوز في اللفظ كقول الطبيب للمرضى المختلفين في المرض والدواء اشربوا دواء ، و : اشربوا الدواء ، اذا اريد منه الطبيعة اذ ليس المقصود شرب كل واحد منهم كل دواء اراده قطعا ، إذ بعضه مضرّ لكلّ منهم ، ولا شرب كلّ واحد منهم جميع الأدوية ، ولا خصوص ما يوجب شفائه بالنّسبة إلى كل واحد ؛ وإلّا لزم استعمال اللفظ في أكثر من معنى واحد ، بل المراد من هذا الخطاب بيان جنس المكلف به لا بيانه بجميع جهاته.
وحاصل التأييد أن المطلق في هذا الاستعمال حقيقة قطعا ، وليس المقصود منه الحصّة الشائعة ، وإلا لزم تجويز كلّ دواء لكل واحد منهم ، بل الخطاب ممحض لبيان ما يلزم عليهم ، وبيان تمام المراد محوّل في مقام آخر ومن هذا القبيل كثير من الأوامر الواردة في الشريعة الموجهة الى اشخاص مختلفة في صنف المكلف به كقوله تعالى : (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ) (البقرة : ٤٣) ونحوها مما يكون المقصود منها بيان أصل المشروعية لا بيان المكلّف به بتمامه حتّى يتمسك باطلاقه لنفي الجزئية أو الشرطية المشكوك في جزئيته أو شرطيته.